مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد
الدكتور/محمد ضياء الرحمن الأعظمي
الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
الحديث :
أصله ضد القديم . والمراد بالحديث في عرف الشرع : " ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم " .قال السخاوي : ( هو قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعله ، وتقريره ، وصفته ، حتى في الحركات والسكنات في اليقضة والمنام ) 1.
وقال الطيبي : ( الحديث أعم من أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابي ، والتابعي ، وفعلهم وتقريرهم )2 .
وعلى هذا فيكون الحديث مرادفاً للسنة ، فيقال – فيمن اتبع منهج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين في العقائد والأحكام - : إنه من أهل الحديث ، ومن أهل السنة .
أهل الحديث:
يقول شيخ الإسلام " نحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته، أو روايته، بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه، ومعرفته، وفهمه ظاهراً وباطنا، واتباعه باطناً وظاهراً، وكذلك أهل القرآن".
وقال: " وأدنى خصلة هؤلاء: محبة القرآن والحديث، والبحث عنهما، وعن معانيهما، والعمل بما عملوا من موجبهما، وفقهاءُ الحديث أخبرُ بالرسول صلى الله عليه وسلم من فقهاء غيرهم".(1)
وقال:"أهل الحديث هم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا عليه وأصحابي )، وفي رواية: ( هي الجماعة ، يد الله على الجماعة ).(2)
وأهل الحديث هم خير أهل الدنيا كما قال حفص بن غياث.(3)
وقال الشافعي:" إذا رأيتُ صاحب حديث فكأني رأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله علية وسلم، وهو بمنزلته"، وقال:" جزاهم الله عنا خيراً ، أنهم حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا فضل".(4)
وقال علي بن المديني: " ليس قومٌ خيراً من أصحاب الحديث، الناس في طلب الدنيا، وهم في إقامة الدين".(5).
وقال الحافظ ابن رجب:"أهل الحديث هم المرجع في معرفة الحديث، ومعرفة صحيحه، من سقيمه".(6)
وقد دعا النبي صلى الله علية وسلم بالنضارة لمن يشتغل بعلم الحديث حفظاً وتبليغاً وفقهاً، فقال: نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه،وربَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه). (7)
علم الحديث شريف ليس يدركه
إلا الذي فارق الأوطان مغتربا
وجاهد النفس في تحصيله فغدا
يجتابُ بحراً وفي الأوعارِ مضطربا
يلقى الشيوخ ويروي عنهم سندا
وحافظ ماروى عنهم وماكتبا
ذاك الذي فاز بالحسنى وتم له
حظ السعادة موهوبا ومكتسبا
طوبى لمن كان هذا العلم صاحبه لقد
نفى الله عنهم الهم والوَصَبَا(8)
وقد ألف الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي كتاباً خاصاً سماه ( شرفُ أصحابِ الحديث )، وذكر فيه الأحاديث والآثار من الصحابة والتابعين وأتباعهم ، ومن الملوك ، والخلفاء ، والوزراء ، وغيرهم ، في فضل علم الحديث ، والاشتغال به، وشَرَفِ أهله على المهتمين بعلم الكلام والفلسفة ، من أهل البدع والضلال ، من الزنادقة، وهو كتابٌ حافلٌ في الموضوع.
السنة:
في اللغة: السيرة، والطريقة المعتادة حسنةً أو قبيحة(8)ومن ذلك قول النبي r:
( من سنَّ في الإسلام سنهً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شئ،ومن سن في الإسلام سنةً سيئةً فعليه وزرها،ووزر من عمل بها) رواه مسلم.
والسنة عند المحدثين تطلق على ما أضيف إلى النبي e من قوله ، وفعله ، وتقريره ، فهي مرادفة للحديث.
وتطلق السنة عند السلف على ما يقابل البدعة،
فمن اتبع سنة النبي e وسنة الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ونهج منهجهم يقال له : إنه من أهل السنة، ومن ترك منهجهم، واتبع أصحاب الأهواء يقال له: إنه من المبتدعة.
وتطلق عند الفقهاء على ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه.
أهل السنة :
هذه الكلمة يطلقها النقاد على من يتبع السنة ، ويبتعد عن البدعة ، مثل الإمام مالك وعبد الرحمن ابن مهدي والإمام أحمد ، والإمام البخاري ، وغيرهم ، يقال لكل هؤلاء إمام أهل السنة وبين قولهم :
أهل السنة والجماعة ، وأهل الحديث ، عموم وخصوص ، فكل من قيل فيه - إنه من أهل السنة والجماعة فهو من أهل الحديث أيضاً وليس العكس فكثيرٌ من الرواة وصفوا بأنهم من أهل الحديث لاشتغالهم به ، ولكنهم ليسوا من أهل السنة والجماعة لابتعادهم عن منهج السلف في الاعتقاد ، وسلوكهم مسالك المتكلمين استدلالاً وتقريرا ،ً إلا أن أهل الحديث عند الإطلاق لا يفهم منه إلا من كان متبعاً لا مبتدعاً فقد يكون المبتدع محدثاً لاشتغاله بالحديث ولكنه ليس من أهل الحديث الذين جمعوا بين المعرفة الحديثية والعمل بما عليه أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة الذين جاء ذكرهم في الحديث المعروف ففي هذه الصورة يرادف أهل الحديث أهل السنة والجماعة .
السنن:
هي في اصطلاح المحدثين كتب الأحكام المرتبة على الأبواب الفقهية من الطهارة ،والصلاة والزكاة إلى العتق،ولا يذكر فيها شيء من الموقوفات والمراسيل فإنها لا تسمى سنة عند المحدثين،وإن ذكر شيء منها فهو للاستشهاد به.
ومن أشهر كتب السنن:
السنن الأربعة وسنن الشافعي برواية المُزَنيِ، وسنن النسائي الكبرى، وسنن الدارمي، وله أسانيد عالية، وثلاثياته أكثر من ثلاثيات البخاري، وسنن البيهقي، وعليه تعقبات ابن التركماني بعضها متجه، وسنن سعيد بن منصور، وغيرها وهي كثيرةٌ جداً.
البدعة:
من بَدَعَ الشيء يَبْدَعُه بدعاً، مثل ( مَنَعَ يَمْنَعُهُ منعاً )، وابتدعه: أنشأه وبدأه.
وفي التنزيل: (قل ما كنت بدعاً من الرسل ).( سورة الأحقاف:9)
أي: ما كنت أول من الرسل، وقد أرسل قبلي رسل كثيرون، فلأي شيء تنكرون ذلك.
والبدعة-بكسر الباء- في الشرع هي: ( إحداث مالم يكن في عهد رسول اللهe
أو: ( ما ابتدع من الدين بعد الإكمال ).
وهي تطلق على الزيادة والنقصان في الدين مما لم يأمر به الشارع.
روى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي رحمه الله تعالى قال:
( المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتاباً، أو سنةً، أو أثراً، أو إجماعاً، فهذه هي البدعة الضلالة.
والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحدٍ من العلماء، وهذه محدثةٌ غير مذمومة، وقد قال عمر بن الخطاب في قيام شهر رمضان : ( نِعْمَت البدعةُ هذه ) ، ويعني: أنها محدثة لم تكن(*) ، وإن كانت ليس فيها رد لما مضى" انتهى.
لم يمض القرن الأول من الهجرة حتى افترقت الأمة الإسلامية إلى فرقٍ كثيرةٍ ، ويمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسين:
أحدهما: أهل السنة والجماعة، وكان في مقدمتهم علماءُ الحديث الذين دعوا إلى إتباع آثار الرسول e باطنا وظاهرا، وإتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وإتباع وصية رسول الله e حيث قال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ) (9)
والقسم الثاني:
أهل البدعة من المعتزلة ، والجهمية ، والخوارج،والروافض ، وكان لواؤها بأيدي الذين كانوا يسمون بالمدرسة العقلية، لأنهم غَذَّوْا عقولهم بالفلسفات المختلفة،وتجولوا بين الديانات والعقائد المتنوعة ، وكانت دعوتهم جهاراً إلى تأويل آيات الله وصفاته ، وتعطيل ما يصعب فهمه(*) منها،والتطاول على الله ورسوله بالحجج الواهية ، والعقول الزائفة.
ـــ
(*)
(*) أي على عقولهم وأهوائهم وأفهامهم الرديئة . (التحرير)
(1) انظر : فتح المغيث( 1/8).
(2) انظر : تدريب الراوي ( 1/42).
(3) انظر مجموعه الفتاوى (4/95)
(4) انظر:مجموعة الفتاوى (3/345-347)
(5) الالماع
(6) مسألة العلو والنزول(45)
(7) المصدر السابق، أي السنة
(8) جامع العلوم والحكم (2/105)
(9) أخرجه أبو داود (4/69)، والترمذي (5/33) من طريق عمر بن سليمان من ولد عمر ابن الخطاب، عن عبد الرحمن بن أبان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه مرفوعاً، ورواه ابن ماجه (1/84)، من وجه آخر عن زيد بن ثابت قال الترمذي:"حسن"وقال"وفي الباب عن عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل،وجبير بن مطعم،وأبي الدرداء،وأنس ،رضي الله عنهم جميعاً
(8)مقدمة تحفة الاحوذي(1/17-18)، وانظر مزيدا من الأبيات في الحطة(ص43-54)
(9)انظر:لسان العرب مادة: سنن(17/89)
(10)رواه أبو داود (4607)، والترمذي (5/44)، وابن ماجه-المقدمة(42)، والدارمي(1/57)، وقال الترمذي: (حسن صحيح).