التختم بالحديد والمعادن الأخرى
السؤال: ما حكم التختم بغير الفضة (للرجال) من المعادن الأخرى كالحديد والبلاتين... وغيرها.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالتختم بالحديد والنحاس والصفر حكمه التحريم للرجال والنساء جميعا لكونه شرا من خاتم الذهب من جهة، ولأنه زي أهل النار من جهة ثانية، كما ثبت ذلك من حديث عبد الله بن عمرو "أن النبي
صلى الله عليه وسلم رأى على بعض أصحابه خاتما من ذهب، فأعرض عنه، فألقاه فاتخذ خاتما من حديد، فقال: هذا شر، هذا حلية أهل النار، فألقاه، فاتخذ خاتما من ورق فسكت عنه"(١).
وينتفي التعارض مع قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في قصة المرأة التي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجها أحد أصحابه، ولم يكن عنده مهر لها:"التمس ولو خاتما من حديد"(٢) حيث
استدل به على جواز التختم بالحديد لأنه لو كان ثم كراهة لما أشار النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسه، ووجه التعارض يزول بحمله على ما كان قبل التحريم إذا ما سلّمنا
نصِّيته على إباحة الحديد، وهو ليس نصا في إباحته لاحتمال أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته، على ما بينه ابن حجر في الفتح(٣)، إذ لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز
اللبس، وإذا لزم الترجيح- حال فرضية تعذر الجمع السابق بين المتعارضين- لوجوب العمل بالدليل الرافع للبراءة الأصلية على الدليل المقرر لها، أي أن النهي مقدم على
الإباحة والجواز كما هو مقرر في القواعد.
هذا، والحكم بمنع الخاتم من حديد فيما إذا كان خالصا صرفا، أمّا إذا كان محلى بما هو جائز كالفضة فالظاهر جوازه لما أخرجه أبو داود من "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خاتمه حديدا ملويا عليه
فضة"(٤) وتقرير هذا التفصيل جمعا بين الدليلين وتوفيقا بين متعارضين والعمل بالجمع واجب مهما أمكن، وإلا فالنهي مقدم على الإباحة وكذا القول مقدم على الفعل -كما
هو معلوم في أصول الترجيح- في حالة تعذر العمل بالجمع.
هذا ويلحق بالخاتم من حديد كلّ ما يلبس من المعادن المعدودة من حلية أهل النار لعلة تحريم التشبه بهم، والظاهر أنّ النحاس والصفر معدود من لباسهم على ما ورد من تفسير للآية﴿ فالذين كفروا قطّعت
لهم ثياب من نار﴾[الحج:19] على أنّها ثياب من نحاس مفصلة من النار لكونه أشد حرارة إذا حمي.
أمّا ما لم يكن من زي أهل النار فالراجح جوازه إذا لم يكن على وجه يختص بالنساء إعمالا للإباحة الشرعية بالنصوص العامة المتقدمة في مطلع الجواب.
والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.