عبدالله ناجح عضو متّألق
الإسم الحقيقي : ABDALLAH NAJIH البلد : ROYAUME DU MAROC
عدد المساهمات : 12530 التنقيط : 79268 العمر : 30 تاريخ التسجيل : 16/09/2010 الجنس :
| موضوع: موعد تحرك الجنين معجزة علمية الأحد 12 ديسمبر 2010, 01:29 | |
| للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد: فجوابا على السؤال عن موعد نفخ الروح؛ هل هو
طِبِّيًا كما قال علماءالأمة الأجلاء بعد 120 يوما, أم هو كما يقول به البعض اليوم بعد 40 يوما,وهل يجوز الإجهاض قبله؟, أقول مستعينًا
بعلام الغُيوب سائلهُ تعالى الرشاد والتوفيق والسداد:
(أولا) موعد تحرك الجنين في القرآن الكريم: وفق المصطلحات الوصفية في القرآن الكريم وعلم الأجنة يمر الإنسان بجملة أطوار تكوينية:
(أولا): النطفة الأمشاج؛ أي المختلطة العناصر الوراثية من الجنسين, وتتكون عند الإخصاب fertilization في الثلث الخارجي لقناة الرحم
بتلقيح حوين منوي يحتوي على نصف عدد الفتائل الوراثية في خلية كل بشر للبويضة التي تحتوي على النصف الآخر, فتتكون أول خلية
بشرية Zygot تحتوى علىكامل الفتائل الوراثية (23 زوجا), ورغم تضاعف عدد الخلايا خلال الانتقالوحتى الغرس بالرحم في نهاية الأسبوع الأول يظل
الكائن الحديث الخلق بهيئة نطفة (قطيرة ماء) كروية الشكل بالكاد ترى بالعين المجردة.
(ثانيا): العلق وتكوين الجنين Embryo, وفي هذا الطور الذي يستمر حتى نهاية الأسبوع الثالث يماثل الجنين العلقة leech؛ في الشكل
الطولي كالدودة والعيش في سائل والتعلق والتغذي على دماء كائن آخر وانعدام عمل الجهاز الدوري.
(ثالثا) المضغة, وفي تلك المرحلة منذ بداية الأسبوع الرابع وحتى نهاية السادس يكون الجنين بالفعل كتلة معتبرة كالمضغة؛ أي بحجم وهيئة
ما يُمكن أن يمضغ وتظهر عليه انبعاجات وعلامات الأسنان نتيجة لتكوين أوليات الفقرات والأعضاء.
(رابعا): العظام والعضلات, وتكوين أوليات الهيكل معلم بارز في تاريخ الكائن البشري حيث تبدأ الهيئة البشرية في الاتضاح مع تكون العظام في الأسبوع
السابع وتتضح أكثر معتنامي العضلات في الثامن؛ وبنهايته تتكامل جميع أوليات الأعضاء وتنتهيالمرحلة الجنينية Embryonic Stage التي تبدأ
مع بدء طور العلق الذي يمثل البداية الفعلية لتكوين الجنين بالرحم.
(خامسا) مرحلة الحُمَيل fetus؛ وتبدأ هذه المرحلة مع بدء الأسبوع التاسع وتستمر حتى الولادة بعد حوالي 266 يوما منذ تخصيب البويضة, وتسمى
بالمرحلة الحميلية FetalStage, وتتصف بالنمو وتعديل الهيئة وبدء وظائف الأعضاء في العمل, ومنالأحداث المهمة فيها اتضاح مظاهر الذكورة في
الشهر الثالث نتيجة لإفرازهرمون الذكورة وإلا بقي المظهر الموحد في الجنسين حتى تتضح الأنوثة فيالرابع, وتتضح للأم حركة الجنين الإرادية
بنهاية أربعة أشهر علامة أكيدة على الحياة الواعية.
صورة للجنين في طور العلق أضغط على الصور لتكبيرها وتعجب أن يصف القرآن قبل اكتشاف المجهر أطوار الجنين في منظومة دلالية تتكامل بلا اختلافرغم تعدد المواضع, قال تعالى:﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّجَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَعَلَقَةًفَخَلَقْنَاالْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَاالْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَاللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ المؤمنون: 12-14, وفي مقابل دلالة حرف (الفاء)في التعبير (فخلقنا, فكسونا) على الترتيب والتعقيب بغير مُهلة فإن الأداة(ثم) تقتضي المُهلة؛ فتفيد تأخر مظاهر تكون إدراكهواتضاح حركته الإراديةبمدة أكبر نسبيا في مرحلة لاحقة تلت مرحلة تخليق أوليات الأعضاء التيانتهت باكتمال أوليات الهيكل العظمي والعضلات, والثابت علميا بالفعل أنه قريبالشهرين تكون كل أوليات الأعضاء قد اكتملت بينما يتأخر اتضاح حركة الجنينإلى أربعة أشهر؛ وأنه يمكن رصد انتظام دوري للحركة يعكس وجود فترات منتظمة من النوم واليقظة علامة على بدء المخ أداء وظائفه, قال ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ في تفسيره (ج5ص466): "(ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) أي: ثم نفخنا فيه الروح فتحرك وصار (خَلْقًا آخَرَ)؛ ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب".وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْقَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍمِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِيفَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: 28و29]؛ نقل الألوسي المتوفى سنة 1270 هـ في روح المعاني عن أبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505 هـ تفسيره للتعبير بالنفخ بقوله (ج14ص36): "عَبَّرَ (عن إيقاد الوعي والحركة) بالنفخ الذي يكون سببًا.. لاشتعال الحطب", وفسرالألوسي مضمون المَثَل بقوله (ج23ص225): "نفخ الروح فيه.. إعطائه قوة العلم والعمل", وبعبارة أخرى: نشأة الوظائف الإدراكية وبدء الحركة الإرادية, والأصلفي دلالة لفظ (النفخ) في بادية العرب زمن التنزيل هو دفع هواء النَّفّسليشتعل الحطب وتتأجج النيران؛ وكَأَنَّ روحًا من الفم أوقدته وبثت في ذلكالحطب المُهَيَّأ للاشتعال حركة وحياة, فاستعيرت صورة (النفخ) لبث الملكاتالعقلية والحركة الإرادية في الجنين؛ وكأن الوعيوالحركة اشتعال ما يلبث أن يتضاعف توقده ويتجلى تأججه, وهو من روائع التمثيل ودقيق التعبير المطابق للواقع في القرآن الكريم.
تأجج نيران موقد الحطب بالنفخ وتحرك ألسنة اللهب مشهد معلوم في بيئة العرب.
وعبارة النيسابوري المتوفى سنة 728 هـ في غرائب القرآن (ج4ص484): "ليس ثَمَّ نفخ ولا منفوخ وإنما هو تمثيل.., ولا خلاف
في أن الإضافة في قوله: (روحي) للتشريف والتكريم مثل (ناقة الله) و(بيت الله)", وعبارة أبي السعود المتوفى سنة 951هـ في إرشاد
العقل السليم (ج5ص74):"(فإذا سويته) أي صورته بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية.. (و) سويتأجزاء بدنه.., (ونفخت فيه من روحي).. إنما هو
تمثيل لإفاضة ما به الحياة (الواعية)", وهكذا أيد الكثير من المفسرين أن تعبير (نفخ الروح) تمثيل للمعنوي بحسي بغرض بيان بث الحياة
الواعية والحركة الإرادية؛ منهم النسفي المتوفى سنة 710 هـ في مدارك التنزيل (ج2ص241), وأبو حيان المتوفى سنة 745 هـ في البحر
المحيط (7ج ص192), والخطيب الشربيني المتوفى سنة 977 هـ في السراج المنير (ج3ص440), والشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ في
فتح القدير (ج4ص632), والجاوي المتوفى سنة 1316 هـ في التفسير المنير (ج3ص42), وقولهم بالتمثيل لبث الروح بمشهد النفخ المحسوس
في الحطب يعني تفويض طبيعة الروح كأمر غيبي لعلام الغيوب.
وتتعدد في القرآن الكريممعاني لفظ (الروح) وتُبَيِّن القرائن المعنى اللائق الموافق للمقام؛ وقديرد لوصف نعمة نفيسة, وفي قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: 171]؛ قال الرازي المتوفى سنة 606 هـ في
تفسيره (ج5ص447): "جرتعادة الناس أنهم إذا وصفوا شيئاً بغاية الطهارة والنظافة قالوا: إنه روح،فلما كان عيسى لم يتكون من نطفة الأب..
وُصف بأنه روح، والمراد من قوله (مِنْه) التشريف والتفضيل؛ كما يقال: هذه نعمة من الله، والمراد كون تلك النعمة كاملة شريفة..,
(وقيل أيضا): روح منه؛ أي: رحمة منه, (كما) قيل في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ﴾ [المجادلة : 22]؛ أي برحمة منه"،
ووُصِفَ القرآن كذلك بالروح على سبيل التمثيل بالمعهود الذهني الشائع في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: 52],
قال الراغب الأصفهاني المتوفى سنة 502هـ في مفردات ألفاظ القرآن (ج1ص421): "سُمِّيَ القرآن روحًا.., لكون القرآن سببًا للحياة
الأخروية", وقد وُهِبَالإنسان نعمة نفيسة كذلك هي العقل؛ فنشأت المَلَكَات العقلية وهو جنينوتحرك إراديًا بعد التهيؤ بتكون الأعضاء,
وفي قوله تعالى:﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْسُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْرُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة: 7-9]؛ قد تَلَاَزم (نفخ الروح) كتعبير عن الحركة والوعي مع بدء نشاط الوظائف الإدراكية
والإرادية على سبيلالتفسير كمعلم بارز في تاريخ الجنين, وأبرز معالم الوعي نشأة وظائف أجهزةالسمع والبصر والجهاز العاطفي Limbic System
وأبرز معالم الإرادة اتضاحالحركة الإرادية دليلا على بث الحياة الواعية, والالتفات من الحديث بضميرالغيبة (نسله, وسواه, ونفخ فيه) إلى ضمير
الخطاب (وجعل لكم) يناسب تلك النقلة الواسعة.
وقد رصدت أجهزة الموجات فوق الصوتية حديثًا بعض حركات إرادية للجنين كمص الأصبع ابتداء من الأسبوع السادس عشر؛ ويمكن
في وقت مبكر رصد بعض حركات فردية للعضلات قبل الحركة الإرادية المنسقة بين الجهاز العصبي والعضلي, وبعد الأسبوع السابع عشر
(أربعة أشهر) تكون الحركات الإرادية قد اتضحت تماما نتيجة للنشاط الإرادي للجهاز العصبي, قال ابن القيم المتوفى سنة 751 هـ في
كتابه التبيان في أقسام القرآن (ج1ص218): "فإن قيل: الجنين قبل نفخ الروح فيه هل كان فيه حركة وإحساس أم لا؟؛ قيل: كان فيه حركة
النمو والاغتذاء كالنبات,ولم تكن حركة نموه وإغتذائه بالإرادة, فلما نُفخت فيه الروح انضمت حركةحسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه",
وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المتوفى سنة 1421 هـ في تفسيره (ج34ص4): "والروح لا نستطيع
أن نعرف كنهها وحقيقتها..؛ قال تعالى: ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً﴾ [الإسراء: 85],
فينفخ الملك الروح في هذا الجنين فيبدأ يتحرك، لأن نماءه الأول كنماء الأشجار بدون إحساس، (و)بعد أن تنتفخ فيه الروح يكون آدمياً
يتحرك". وعند أهل الكتاب كذلك ما يوافق أن التمثيل بالنفخ كناية عن بث الحياة الواعية للجنين, وتفسير العبارة (تكوين 2: 7): "نفخ
في أنفه نسمة حياة"؛ في قاموس الكتاب المقدس: "قد أوجد الله فيه العواطف الخلقية والميول الروحية والقوى العقلية.., ولا يُراد بنسمة
الحياة هذه عملية التنفسالطبيعي فحسب؛ وإنما المُراد منها هو أن الله أعطاه تلك القوى العقليةوالروحية مقترنة بالنفس الحية", و"الروح هي العقل..
خلق الله الإنسان بإعطاء حياة للجسد الذي صوره ثم بخلق روح عاقلة وهبها للإنسان". ويمكن للجنين سماع الأصوات وتتضح حركته الإرادية
للأم كذلك بعد أربعة أشهر؛ أي بعد الأسبوع السابع عشر من بدء الحمل, وتستطيع صاحبة الخبرة متكررة الحمل Multipara أن تستشعر الحركة
مبكرا في الأسبوع السادس عشر, ويتفق هذا مع الاحتياط بتحديد أكبر مدة لعدة المتوفى عنها زوجها استبراءً للرحم بعد اتضاح كل علامات
الحمل؛ خاصة شعور الحامل بحركة الجنين Quickening, قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَيُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَبِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234], والأصل
ألا يقع وقاع إلا في طهر امتثالا لقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَعَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِوَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: 222],
ويبدأ الطهر بعد أربعة (2-6) أيام حيض, وطول الدورة الشهرية أربعة (3-5) أسابيع ويقع التبويض منتصفها, وقابلية البويضة
للإخصاب لا تتجاوز يوم, ولذا لا يقع الحمل غالبا إلا بعد حوالي عشرة أيام في الطهر, وإذن يكون موعد اتضاح حركة الجنين بعد أربعة أشهر
منذ نشأته؛ قال ابن عاشور (ج1ص667): "جعل الله عدة الوفاة منوطة بالأمد الذي يتحرك في مثله الجنين تحركاً بيناً"؛ وهو الواقع
بالفعل, قال أستاذ الأجنة د. كيث مور في كتابه أطوار خلق الإنسان The Developing Human (ص9):
يُتَوَقَّع الوضع بعد 147 (+ أو- 15) يوماً منذ اتضاح حركة الجنين، ومدة الحمل منذ الإخصاب 266 يوما (38 أسبوعا),
فتكون المدة قبل حركته: 266 - 147 = 119 يومًا, وبإضافة يوم الحركة يكون موعد اتضاح حركة الجنين حول: 120 يوما؛ أي أربعة أشهر, فعدة
الوفاة إذن قائمة على العلم بأن موعد التبويض منتصف الدورة؛ وهو ما لا يتيسر لأَحَدٍ معرفته زمن التنزيل إلا بوحي.
(ثانيا) الجمع بين الروايات: أيدت جملة روايات تفسيرية ما ورد في القرآن من أطوار خلق الإنسان؛ بينما كان السائد منذ
عهد أرسطو Aristotle في القرن الرابع ق.م. أن الجنين يُخلق كاملا ابتداء من دم الحيض بلا أطوار نتيجة للتحفيز بالمني, وبعد
اكتشاف المجهر تصور داليمباتيوس Dalempatius قبل بداية القرن الثامن عشر بعام أن الإنسان يُخلق كاملا في رأس الحوين المنوي, ومن
المأثور الذي خلى من تحديدالمدة وحافظ على ترتيب الأطوار ما رواه البخاري في الصحِيحِ عَنْ أَبِىالنُّعْمَانِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِى كَامِلٍ عَنْ
حَمَّادٍ: "عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: "َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ أَىْ رَبِّ نُطْفَةً أَىْ
رَبِّعَلَقَةً أَىْ رَبِّ مُضْغَةً, فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِىَخَلْقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى, أَشَقِىٌّ أَمْسَعِيدٌ, فَمَا الرِّزْقُ, فَمَا الأَجَلُ, فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِىبَطْنِ أُمِّهِ", وبالفعل تظهر
معالم الذكورة في الشهرالثالث بعد اكتمال أوليات الأعضاء؛ وإلا استمر الجنين بهيئة النفس الواحدةفي الجنسين Indifferent Stage حتى تتضح الأنوثة في الرابع.
تتضح الهيئة البشرية تماما ويبدأ تميز علامات الذكورة بعد انتهاء الأسبوع الثامن من الحمل.
ومن المأثور الذي حدد مدة توافق بداية اتضاح الهيئة الإنسانية ما أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي عن حذيفة بن أسيد قال:
"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: (إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة)", وفي رواية:
"إذا وقعت النطفة في الرحم ومضى عليها خمس وأربعون ليلة؛ قال الملك: يا رب أذكر أم أنثى؟", وفي رواية أخرى:
"يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة فيقول: يا رب أشقي أو سعيد؟ فيكتبان, فيقول:
أي رب أذكر أو أنثى؟؛ فيكتبان, فيكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص", والتردد بين وأربعين
وحتى خمس وأربعين يمكن حمله على أن المراد فترة تختلف من حمل لآخر في تلك الحدود, وفي رواية أخرى: "إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون
ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟, فيقضي ربك ما يشاء
ويكتب الملك, ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك..", وذكر الحديث.
قال القرطبي المتوفى سنة 671 هـ في تفسيره (ج12ص9): "نسبة الخلق والتصوير للمَلَك نسبة مجازية لا حقيقية.., ألا
تَرَاهُ سبحانه قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية وقطع عنها نسب جميع الخليقة فقال: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم), وقال: (ولقد خلقنا
الإنسان من سلالة من طين.ثم جعلناه نطفة في قرار مكين), وقال: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب منالبعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة).., إلى
غير ذلك من الآيات؛ مع ما دلت عليه قاطعات البراهين أن لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين, وهكذا القول في
قوله (ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح)..؛ فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره.., (و)لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد
مائة وعشرين يوما, وذلكتمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس.., وعليه يعول فيما يُحتاج إليه منالأحكام.., وذلك لتيقنه (أي نفخ الروح) بحركة
الجنين في الجوف, وقد قيلإنه الحكمة في عدة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر, وهذا الدخول فيالخامس يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة
إذا لم يظهر حمل", وقال الشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ في تفسيره (ج1ص376): "ووجه الحكمة في جعل العدة للوفاة هذا المقدار أن الجنين..
يتحرك في الغالب", وقالالبيضاوي المتوفى سنة 691 هـ في تفسيره (ج1ص527): "المقتضى لهذا التقديرأن الجنين في غالب الأمر يتحرك", وقال
ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ في دقائق التفسير (ج1ص27): "ينفخ فيه من الروح بعد مضي أربعة أشهر",وفي رسائله (ج6ص103): "النفخ.. يكون
بعد مضي أربعة أشهر", وقالابن عاشور المتوفى سنة 1393هـ في تفسيره (ج1ص667): "فما بين استقرارالنطفة في الرحم إلى نفخ الروح في الجنين
أربعة أشهر", والقول إذنبأن نفخ الروح لا يقع بعد أربعة أشهر من عمر الجنين وإنما بعد أول أربعين,وأنه اكتشاف علمي حديث؛ لا يستند لأصل علمي
صحيح ولا تحليل دلاليمطابق لنصوص الوحي, وفيه اعتراض على ما توارثه الأئمة جيلا بعد جيل وأيدهالعلم الحديث من اتضاح الحركة الإرادية
للجنين في أربعة أشهركعلامة محسوسة للتغير المعبر عنه بنفخ الروح, وأما دفع توهم امتداد أطوارالتخليق لأربعة أشهر فقول صحيح؛ لاكتمال
جميع أوليات الأعضاء عند نهاية ثمانية أسابيع بيقين.
ويُمكن تأويل الرواياتالتي يُتَوَهَّم توزيعها الأربعة أشهر على أطوار ثلاث لكل منها أربعينيومًا بوجهٍ يُطَابق الواقع, في رواية البخاري
عن عبد الله بن مسعود:"حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق؛ قال: (إن أحدكميجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً, ثم
يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً يؤمر بأربع كلمات, ويقال له: اكتب عمله ورزقه وشقي أو سعيد، ثم
ينفخ فيه الروح)", وفيرواية مسلم عن عبد الله ابن مسعود أيضا بزيادة (في ذلك): "حدثنا رسول اللهصلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق؛ قال:
(إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه
الروح.."؛ يستقيم حمل (جمع الخلق) تمثيلاً على التنادي واجتماع الأجزاء لتكوين الأعضاء؛ فيتكون كل طور (مثل ذلك) الجمع فيتغير الشكل
سريعًا في مرحلة تخليق الأعضاء خاصة, ومثله التعبير عن الاحتشاد يوم البعث بالجمع والتنادي في التعبير: ﴿وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [الشورى: 7],
و﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ﴾ [التغابن: 9], و﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ [غافر: 32], فلم يتبق حينئذ في الرواية ما
يَعُود إليه التعبير (في ذلك) إلا الزمن (أربعين يوما), فالثلاث أطوار إذن (نطفة, علقة, مضغة) تقع في نفس الستة أسابيع قبل تكون
العظام واللحم؛ خاصة لعدم ذكر للنطفة وبيان منحها كل الأربعين, فلو أن الأربعين للنطفة وحدها ولكل من الطورين
الآخرين مدة مستقلة مثلها لذكرت بالاسم بيانًا لاستمرارها في كل الأربعين.
وفي رواية عن ابن مسعودٍ: "إنَّ النطفةَ إذا استقرَّت في الرَّحمِ تكونُ أربعينَ ليلةً ثم تكونُ علقةً أربعينَ ليلةً ثمَّ تكون
مضغة أربعين ليلة ثم تكونُ عظاماً أربعين ليلةً ثم يكسو الله العظامَ لحماً", قال ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ في
جامع العلوم والحكم (ج6ص8): "رواية الإمام أحمد (هذه) تدلُّ على أنَّ الجنين لا يُكسى اللَّحمَ إلاَّ بعد مئةٍ وستِّين يوماً, وهذه
غلطٌ بلا ريبَ فإنَّه بعدمئة وعشرينَ يوماً يُنفخُ فيه الرُّوحُ بلا ريب.., وعلي بنُ زيدٍ هو ابنُجُدْعان لا يحتجُّ به, وقد ورد في حديث
حذيفة بن أسيدٍ (إذا مرّبالنُّطفة سنتان وأربعونَ ليلةً..) ما يدلُّ على خلقِ اللَّحمِ والعِظامفي أوَّلِ الأربعين الثانية. وبالإضافة إذن
لإمكان التأويل إلى وجهمطابق للواقع المؤكد طبيًا بيقين؛ فإن رواية حذيفة بن أسيد تؤكد صريحًاوقوع كل الأطوار الثلاث الأولى (نطفة وعلقة ومضغة)
في الستة أسابيع الأولى (42 ليلة) وتكون العظام واللحم ابتداء من الأسبوع السابع: "إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة
بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها..", وبذلك يُمكن الجمع بين الروايات الصحيحة
السند بوجه يستقيم مع الواقع؛ فيزول توهم التعارض وتتألق دلائل النبوة الخاتمة.
(ثالثا) الإجهاض المتعمد هدم لمشروع الوليد:
لو وُضِعَ الأساس لمشروع عمارة متعددة الأدوار؛ فلم يكن سوى أساس الدور الأول والأعمدة بلا جدران, وجاء أحدهم
وأطاح بالأعمدة وهدمالأساس متعمدًا؛ ألا تناله عقوبة ويلزمه التعويض!, وكلما زاد البناءوتعددت الأدوار؛ ألا تتضاعف العقوبة ويزداد التعويض!
, هكذا رأي جمهور الفقهاء أنه كلما تقدمت أطوار تخليق جنين الإنسان تضاعفت العقوبة وزاد التعويض لهدم مشروح الوليد ومنع بلوغه
الكمال بالاعتداء عليه وتعمد الإجهاض Abortion بغير اضطرار, والضرورة تقدر بقدرها, ولا يُدرك الإجهاض إذا وقع بعد أسبوعين
من وقوع الحمل لأنه يُشتبه غالبا مع الحيض التالي, وقد لا يُدرك الحمل كذلك إلا بعد مرور موعد الحيض التالي بفترة معتبرة فيكون
الجنين قد تجاوز طورالنطفة والعلقة, وهذا يعني أن الإجهاض لا يُتَبَيَّن غالبا إلا والسِّقطقد أصبح مضغة أو أكثر تقدما؛ مما يضيق أكثر على أعذار الإجهاض.
ويُجمع العلماء على تحريمالإجهاض المتعمد بعد مائةٍ وعشرين يومًا مِن بدءِ الحمل حيث تبلغ شدةالمنع ذروتها باتضاح حركة الجنين, وفي كتاب
القوانين الفقهية لابن جزي المتوفى سنة 741 هـ (ص212): "إذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من
ذلك إذا نفخ فيه الروح؛فإنه قتل نفس إجماعاً", وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المتوفىسنة 1421 هـ (رحمهم الله تعالى جميعا)
في لقاءات الباب المفتوح: "إسقاط الجنين إن كان بعد نفخ الروح فيه فإنه لا يجوز إسقاطه بأي حال من الأحوال.., (و) قبل أن تنفخ فيه
الروح لا شك أنه يختلف بحسب بلوغ الجنين؛ فهو أول ما يكون نطفة أهون ثم إذا كان علقة صار إسقاطه أشد، ثم إذا كان مضغة
صار إسقاطه أشد". فكما تَرَى؛ الأصل هو منع الإجهاض في أي طور كان الجنين والضرورة استثناء, والمنع مع التيقن من حركته أولى؛ سواء
كانت الحركة مُرَاد التعبير "نفخ الروح" تمثيلا أو علامة عليه, وموعدها في الشريعة والطب لا خلاف عليه, ومدة أربعة أشهر لنفخ الروح
وتحرك الجنين أساسها عدة الوفاة القطعي الثبوت والدلالة, وروايات الأربعين تفسير وتفصيل, ومجمل القول أن معالجة وهم امتداد أطوار
التخليق الثلاث الأولىلأربعة أشهر تتطلب الجمع بين الروايات والترجيح في ضوء الحقائق العلمية؛وليس بالتشكيك في موعد الحركة الإرادية
الثابت بالوحي والموافقللواقع, ومعارضة قول بإباحة الإجهاض قبل أربعة أشهر ليس عذرًا؛ لأن الأصلهو المنع المتزايد الشدة بتقدم الأطوار
إلى حد التحريم, والله تعالى أعلم. | |
|