مملكات العهد القديم في الأردن
- العصر الحديدي
شهد هذا العصر تطور وتثبيت دعائم ثلاثة ممالك جديدة في أرض الأردن وهي آدوم في الجنوب، ومؤاب في الوسط وعمون في الجبال الشمالية. ولعل ميزان القوى في هذه الحقبة كان في صالح الممالك الكبيرة التي تشكلت في هذا العهد. وأهم مؤشر للنمو في هذه الممالك هو طريق التجارة الذي أنعش التجارة مع الجزيرة العربية. إذ أن القوافل التجارية حملت الذهب والبهارات والتوابل والمعادن الثمينة من تلك الأراضي وإلى شمال سوريا.
انتشرت الديانة المسيحية في هذه الفترة وهي الحقبة التي شهدت معظم أحداث سرد العهد القديم في التوراة. ولم يعثر على براهين أثرية تدعم ما جاء في التوراة من سرد حول احتلال الإسرائيليين لفلسطين. وقد دمر الأسرائيليون في هذه الفترة عدة مدن ومن المحتمل أن يكون الإسرائيليون قد هزموا من قبل الجيوش المصرية لكن هذا الاحتلال لم يكن متسارعاً كما ورد في نص التوراة وكانت العملية على صورة موجات من الهجرة العرقية بدل أن تكون حملة عسكرية.
ورد في التوراة أن الهجرة من مصر (270ر1-240ر1 ق م ) حدثت في هذه الأثناء عندما طلب الإسرائيليون السام لهم بالمرور من مملكة أدوم لكن طلبهم قوبل بالرفض مما أجبرهم على الدوران نحو الشرق ومن ثم التوجه شمالاً بالقرب من مادبا. وكان سبب رفض السماح للإسرائيليين بالمرور من مملكة أدوم هو الخشية من النوايا الآسرائيلية وعدم رغبة ملكها آنئذ بالتخلي عن الغذاء والماء لموجات المهاجرين الجدد. لكن الإسرائيليون لم يقبلوا هذا الرفض فحاربوا سيحون واستولوا على مدينته. ثم استمر الإسرائيليون في زحفهم
نحو الشمال ودخلوا مدينة مؤاب والتي كان ملكها قد عقد تحالفاً مع خمس من ملوك قبائل الجزيرة العربية لكن الإسرائيليين هزموا التحالف واستولت بعضاً من قبائلهم على المناطق المحتلة. وقد توفي موسى عندها وعبرت الجيوش نهر الأردن باتاه فلسطين.
أسس شاؤول وداوود مملكة إسرائيل في عام 1000 قبل الميلاد وحكماها. عندما مات ابن سليمان في عام 922 قبل الميلاد قسمت المملكة بوفاته إلى مملكتين شمالية وجنوبية. وما لبثت مملكة إسرائيل أن أغارت على مصر وامتد نفوذها على التراب المصري والأردني والفلسطيني.
ومن الواضح تاريخياً أنه كلما واجه الإسرائيليون المتاعب استقر الوضع في الأردن. لدا عندما انقسمت مملكة إسرائيل الى مملكتين شمالية وجنوبية في فلسطين وحروب إسرائيل مع مصر استقرت الأوضاع في الأردن وازدهرت الممالك الثلاثة. واستعاد الآدوميون بعد وفاة الملك داوود حوالي العام 960 قبل الميلاد أرضهم المحتلة في جنوب الأردن وعاصمتهم بصيرة. وقد كان الآدوميون ماهرون في استخراج النحاس وكانت لهم مستوطنات بالقرب من موقع البتراء الحالي والعقبة.
وقد امتد حكم مملكة مؤاب في وسط الأردن وأصبحت الكرك وذيبان عاصمتا مملكته. وقد ازدهرت التجارة والزراعة في مملكة عمون في العام 950 قبل الميلاد وشيدت عدة قلاع فيها. وكانت عاصمة مملكة مؤاب هو جبل القلعة الحالي في مدينة عمان .
وكان لثراء تلك الممالك نقمة على أصحابها إذا أصبحت مستهدفة من جيرانها الإسرائيليين , ومن الآراميين في دمشق والأشوريين في العراق. وأصبح الأشوريون قوة فاعلة في القرن الثامن قبل الميد وتمكنوا من احتلال دمشق والسامرة والتي كانت عاصمة مملكة اسرائيل الشمالية. وقد حافظت ممالك عمون ومؤاب وأدوم على استقلالها بأن دفعت للأشوريين أتاوة .
وعادت أوقات عصيبة تلف تلك المناطق ففي عام 612 قبل الميلاد سقطت الامبراطورية الاشورية ولم تلبث الإمبراطورية البابلية أن نهضت لتحتل مواقعها عندما احتل الامبراطور البابلي نبوخذ نصر المصريين مما دفع المنطقة إلى حركة تنقل سكانية واسعة. وأنهى الامبراطور الفارسي سيروس عام 539 قبل الميلاد حكم الامبراطورية البابلية المضطرب. وسادت البلاد حياة أكثر تنظيماً وما لبثت الامبراطورية الفارسية أن أصبحت أكبر امبراطورية في الشرق الأدنى واحتل القادة الفرس مصر وشمال الهند وآسيا الصغرى وكثيراً ما كان الصراع ينشب مع سبارطة وأثينا وهي دول اليونانية . أثرت الصراعات الداخلية على الأردن ووجهت عدة هجمات بين المؤابيين والعمونيين.
ووضعت الأردن وفلسطين تحت الحكم الفارسي تحت سيطرة أمير فارسي وحكام فرعيين. وحرر الملك الفارسي سيروس في هذه الأثناء اليهود من الأسر البابلي وسمح لهم بإعادة بناء هيكلهم في القدس. وفسر المؤابيون والعمونيون هذا العمل على أنه إعلان عن بسط نفوذ على المدينة فقاموا بتنظيم حملات ضد اليهود العائدين. وقاد اليهود في تلك الحملة طوبيا الذي عين من قبل الحكام الفرس. وأقام طوبيا مملكة عاشت فترة قصيرة وقد حمى الفرس في عهد قائدهم داريوس (522-486 قبل الميلاد) اليهود وأعادوا بناء معبدهم.
وفسح انهيار الامبراطورية الفارسية الطريق أمام الأسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد لاحتلال العاصمة الفارسية بيرسيبوليس شىي بسط النفوذ اليوناني على الأردن والبلدان المجاورة.
الفترة الهيلينية
(من 301-63 ميلادية)
أكثر الآثار دلالة على هذالعصر هي آثار عراق الأمير في بلدة وادي السير الأردنية ويذكر التاريخ أن قوماً من العمونيين استقروا في سنة 360 قبل الميلاد في منطقة وادي السير. وكان الأنباط في تلك الحقبة الزمنية يسيطرون على كل المنطقة الواقعة شرق نهر الأردن. ويمتد بناء عراق الأمير من الشمال الى الجنوب حوالي خمسمائة متر ويرتفع من 25 الى ثلاثين متراً وهو محفور في الصخر ويتكون من طابقين واستخدم هذا البناء كغرف للسكن والتموين واسطبلات للخيول وحملت هذه القلعة في الماضي اسم تيروس وهي لفظة يونانية يقابلها في الآرامية تورا وتعني القلعة ولفظها العرب سير وهكذا سميت المدينة الحديثة وادي السير. وسمي عراق الأمير بهذا الاسم لان مدخله يشبه باب المغارة والأمير هو طوبيا.
الأنبــاط
الأنباط قبيلة عربية بدوية اهتمت بداية كمثيلاتها من القبائل البدوية بتربية الماشية وكانت تتنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن المراعي شأنها شأن القبائل الرحل. ما لبث الأنباط أن غادروا شمال الجزيرة العربية وبعد أن تفرقوا وصل قسم منهم إلى منطقة البتراء وتعايش مع الأدوميين الذين كانوا يعيشون على أرضها في مدنهم وقراهم. وتمتعت تلك المنطقة بحكم موقعها الجغرافي بين مصر وفلسطين وشبه الجزيرة العربية والعراق وسوريابالإزدهار وقد أغرتهم الحياة التجارية لما فيها من كسب مادي ورفاهية معيشية فتركوا حياة البداوة وأصبحوا تجاراً وأخذت قوافلهم تجوب الصحراء حاملة الذهب والفضة والحجارة الكريمة والبهارات والأخشاب الثمينة من بلاد فارس وجنوب شبه الجزيرة العربية كما كانت تحمل البخور والمر من حضرموت. ولم يلبث الأنباط أن وجدوا في البتراء الحالية مستقراً لهم يخزنون فيها بضائعهم ويحتمون بين أرجائها.
وباتت ثروة الأنباط مثار حسد وطمع فيها أحد قادة اسكندر الكبير أنتيجون (306-301) فأرسل جيش يتكون من 600 فارس وأربعة آلاف من المشاة بقيادة "اثينيه" كي يحتل البتراء ويستولي على كنوزها. واستغل الرومان خروج الأنباط من بلدتهم في الأسواق المجاورة وانقضوا على المدينة ونهبوا ثروتها وهرع أحد الناجين وأبلغ الانباط بالمأساة وعاد هؤلاء مسرعين ولحقوا بالجيش المعتدي الذي كان قد استسلم للنوم بسبب النعاس والتعب فقطوا عليه عن بكرة أبيه ولم يفلت منه إلا خمسون فارساً واستعادوا بذلك كل ما قد نهب من مدينتهم.
وقامت عام 90 قبل الميلاد معركة دامية بين عبيدة الأول ملك الانباط والكسندر جانيوس (1ز3-76) على مقربة من شاطء بحيرة طبريا الشرقي فانتصر عبيدة واحتل جيشه المنطقة الجنوبية من سوريا (الاردن وجبل الدروز). وفي عام 87 قبل الميلاد أراد انطيوخس الثاني عشر ديو نزيوس القضاء على مملكة الانباط فالتقى في مؤتة بجيش من عشرف آلاف رجل بقيادة الملك رابيل ولقي أنطيوخس حتفه في المعركة وتشتت جيشه ومات عدد كبير من أفراده جوعاً وعطشاً.
وفي زمن الحارث الثالث (87-62 قبل الميلاد) وصلت الجيوش النبطية إلى القدس وحاصرتها كما وصلت إلى الشام وقام أهل الشام بسك عملة تخليداً للملك العربي تحمل على أحد وجهيها صورة آلهة النصر واقفة واحدى الآلهات جالسة على صخرة ينساب منها نهر إلهي كما وضعوا الكتابة التالية إطاراً تحت الصورة "الملك الحارث حبيب اليونان"
واتسعت مملكة الانباط وامتدت من وادي سرحان شرقاً إلى نهر الاردن غرباً ومن البحر الأحمر جنوباً إلى بلاد الشام شمالاً وتأثرت بحكم موقعها الجغرافي بالحضارة اليونانية وأصبحت عاصمة الأنباط البتراء مدينة تفوق المدن العشر جمالاً. وحاول الرومان غزوها والقضاء على استقلالها فأرسلوا جيشاً بقيادة اميليوس سكاورس الذي تراجع بعد أن قدم له الأنباط مبلغاً من المال.
لكن عثر على عملة سكت في روما ويعود تاريخها الى سنة 58 قبل الميلاد نقش على احد وجهيها الملك الحارث ممسكاً جملاً بيده جاثياً على احدى ركبتيه وماداً سعف نخيل تبين أن النفوذ الهيليني السياسي والعسكري قد زال وحل محله النفوذ الروماني. وعندما كانت الجيوش الرومانية تحاصر القدس أرسل الملك ملكس الثاني الف فارس وخمسة آلاف من المشاة لمساعدتها إلا أن الرومان لم يكتفوا بما كانت تقدمه مملكة الانباط من تأييد ومساعدات فقضوا عليها سنة 105 في زمن الامبراطور تريانس واسموها "المقاطعة العربية".
وفي أثناء حكم البيزنطيين كان في مدينة البتراء كرسي اسقفية كما سكنها الرهبان والنساك وقد حول سكانها بعض القبور إلى كنائس ولا نجد أثراً للحضارة البزنطية فيها ، وقد يكون سبب ذلك أن سكانها أخذوا يهجرونها باحثين عن المكاسب التجارية ولبعدها عن المدن المزدهرة.
في سنة 636 أصبحت البتراء ومنطقتها خاضعة للحكم العربي وعاش من تبقى من سكانها من الزراعة . وقضى عليها الزلزال الذي حدث سنة 746/748 وكان زلزال آخر قد أصابها في القرن الرابع سنة 365 ميلادية.
وقد بنى الصليبيون حصناً صغيراً على قمة الحبيس مستعملين الحجارة القديمة ولم يتركوا لنا أي أثر منهم ولم يكتبوا شيئاً عن سكانها.
وهكذا دخلت البتراء الجميلة في سبات عميق طويل ، دام قروناً طويلاً والستسلمت لأشعة الشمس وللرياح العاصفة ، منتظرة من يتمتع بجمالها ويتأمل في تاريخها العربي المجيد.
عصر روما
احتلت روما عام 63 ميلادي الأردن وسوريا وفلسطين وبقيت المنطقة ترزح تحت السيطرة الرومانية طيلة أربعمائة عام . في تلك الأثناء تشكل اتحاد المدن العشر (الديكابوليس) وكان اتحاداً اقتصادياً وثقافياً فدرالياً . وضم الاتحاد إليه المدن اليونانية مثل فيلادلفيا (عمان)، جراسيا (جرش) ، وجدارا (أم قيس)، وبيلا وأرابيلا (إربد) ومدن أخرى في فلسطين وجنوب سورياً.
وكانت مدينة جراسيا (جرش) أكثر المدن أهمية في تجمع الديكابوليس هذا حتى أن الإمبراطور هدريان نفسه قام بزيارتها عام 130 ميلادية. واحتفظت مملكة الأنباط في جنوب الأردن باستقلالها حتى عام 106 ميلاديا عندما احتلتها قوات الامبراطور تراجان.
وكان المتبع في تلك الأزمنة وبعد كل انتصار أن يقوم فريق من عمال بناء الطرقات يصاحب الجيش بوضع أساس لبناء الطرق ولذا تم بناء طريق تراجان الجديد والذي امتد من ميناء العقبة جنوباً حتى مدينة بصرى السورية . وانتشرت على هذا الطريق نقاط تفتيش وقلاع وأبراج مراقبة كما انتشرت مثيلاتها على طرق تجارية أخرى. وكانت عمان وجرش وأم قيس تحتوى على شوارع وآثار تمتاز بأعمدتها المزركشة. وساد بين سكان الأردن توتر ثقافي إذ أن معظم سكانها كانوا يتحدثون اليونانية وكانت لغة الغزاة اللاتينية والذين فرضوا استخدامها كلغة التداول وأرغموا السكان الأصليين على اتباع ديانة روما. لكن وعلى الرغم من هذا اتسمت تلك الحقبة الزمنية بالاستقرار والسلام وحدثت عدة تطورات هامة في البينة التحتية .
المسيحية والبيزنطيون
تعود الحقبة البيزنطية أو الرومانية الشرقية إلى العام 324 ميلادية. بنى الإمبراطور قسطنطين في ذلك العام القسطنطينية ٍأو مدينة استانبول الحالية وجعلها عاصمة الرومان الشرقية أو الامبراطورية البيزنطية. واعتنق الامبراطور قسطنطين الديانه المسيحية عام 333 وكانت المسيحية قد انتشرت في الأردن وتطورت وأصبحت مدينة بيلا مركزاً للاجئين المسيحيين الفارين من القتل في روما.
شهد الأردن أثناء الحكم البيزنطي أعمالآً إنشائية كثيرة إذ أن مدناً بنيت خلال العهد الروماني استمرت في ازدهارها وازدادت أعداد السكان في المنطقة زيادة كبيرة. كذلك أصبحت المسيحية ديناً مقبولاً في المنطقة وأخذت الكنائس تنتشر في طول البلاد وعرضها. وبنيت تجمعات من الكنائس الصغيرة في بعض المناطق بجانب مجموعة من المعابد الوثنية التي حولت هي أيضاً إلى كنائس. كذلك شهد عهد الامبراطور جوستنيان (527-65 ميلادية) بناء العديد من الكنائس البازيلية.ولعل أهم ما يشير إلى مدى الرخاء الذي عم تلك الفترة هو الأرضيات الفسيفسائية التي زينت أرضيات معظم كنائس تلك الفترة. وكانت اللوحات الفسيفسائية تصور الحيوانات والناس والمدن. ولعل مدينة مادبا تحوي على كنز لا يقدر بثمن من تلك اللوحات الفسيفسائية وخاصة الخارطة الفسيفسائية المشهورة التي وضعت في القرن السادس الميلادي للأراضي المقدسة والمعروفة أيضاً بخارطة فلسطين الفسيفسائية.
وفي عام 542 ميلادية قضى الطاعون على معظم سكان الأردن وقضى الاحتلال الساساني عام 614 ميلادية على من تبقى منهم. احتل الساسانيون الأردن وفلسطين وسوريا طيلة خمس عشر عاماً إلى أن استرجع الإمبراطور هرقل المنطقة برمتها عام 629 ميلادية لكنه لم يبقى فيها طويلاً.
العصور الإسلامية والحملات الصليبية
في عام 610 م بزغ على العالم فجر حقبة تاريخية وروحانية وحضارية أثرت العالم بأسره إذ هبط الوحي على العربي القرشي محمد صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام مفجراً بهذا الدين الجديد ليس بالجزيرة العربية وحدها وإيما في كل مكان وصلته دعوى الهدى تعاليم دين الحق السمح فحكم العرب باسم الإسلام وامتد حكمهم حتى غطى سورية وفلسطين والأردن ثم فتحت مصر عام 642 ميلادية التي كانت تحت الحكم البيزنطي. أما العراق فقط أصبح تحت الحكم العربي بدلا من الحكم الساساني الفارسي عام 640 ميلادية ولم تلبث بلاد فارس كلها أن تبعت الخلافة العربية المسلمة واختفت بهذا ثاني أكبر امبراطورية شرقية. امتدت الدولة الإسلامية الجديدة أثناء حكم الخلفاء الراشدين الذي امتد تسعة وعشرين سنة (632-661 ميلادي) من الأناضول وجبال القفقاس في الشمال حتى حضرموت في الجنوب ومن الهند في الشرق حتى سواحل البحر الأبيض المتوسط وطرابلس في شمال أفريقيا.
الدولة الأموية
(661-750 ميلادية)
أسس معاوية ابن أبي سفيان الدولة الأموية وعاصمتها دمشق والتي أصبحت تمتد من جورجيا وخوارزم وفرغانة في آسيا الوسطى حتى عدن وعمان جنوباً وشمال القارة الهندية وأفغانستان شرقاً حتى إسبانيا والبرتغال وصولاً الى المحيط الأطلسي غرباً . وعندما جاء الأمويون الى دمشق وجدوا فيها اختلافاً جذرياً عن مدينتهم الصحراوية مكة وعاصمة الخلافة الراشدية المدينة. فقد وجدوا فيها الكنائس والمعابد الكبيرة والبيوت الثرية ذات الحدائق الغناء والخضرة والمياه العذبة. وجدوا دمشق مدينة لها تاريخ وحضارة وتراث تعود أصولها إلى عهود قديمة مما دفعهم لجعلها عاصمة الحكم الإسلامي ومنطلقاً للحضارة الإسلامية الجديدة. وازدهرب في دمشق حضارة من نوع جديد وأصبحت واحة للإستقرار وشيدت المباني وتأسست المدارس وفتحت المكتبات. وتميز العهد بفتوحات عن طريق توقيع معاهدات واتفاقيات مع سكان البلاد المفتوحة.
ونظراً لقرب الأردن من عاصمة الحكم الإسلامي ولتمتعها بموقع جغرافي متميز باتت على مفترق طرق الحجاج القاصدين الديار المقدسة في مكة والمدينة. وما لبثت اللغة العربية أن انتشرت وطغت على اليونانية وأصبحت اللغة الرئيسة المتداولة. وبقيت المسيحية منتشرة خلال القرن الثامن الميلادي .
ازدهرت التجارة في عهد الأمويين واشتهر الخلفاء الأمويون بحبهم للصيد واللهو. واقتبسوا ما استساغوه من الفن البيزنطي والساساني والقبطي والنبطي والإغريقي وأضافوا عليه التحسينات التي أرادوها فنتج لديهم أسلوب فني معين ترك أثاره على البناء والتعمير . وامتازت فترة حكمهم بالرخاء والاستقرار مما مكنهم من إنفاق الأموال على البناء والتعمير بدلا من الحروب وتسليح الجيوش.
الدولة العباسية
(750-1258 ميلادية)
تأسست الدولة العباسية بعد القضاء على الدولة الأموية عام 750 ميلادية على يد أبي العباس الملقب بالسفاح. وسميت بهذا الإسم نسبة إلى العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان أول عمل قام به أبو العباس هو نقل مقر الخلافة من الشام في سوريا إلى الهاشمية في العراق. وكانت الدولة العباسية تضم آنئذ سوريا وفلسطين والأردن والعراق ومصر والمغرب وبلاد فارس وأقساماً من آسيا الوسطى.
وبانتقال عاصمة الخلافة إلى بغداد أصبح موقع الأردن هامشياً مقارنة مع الخلافة السابقة. وهجرت بالتالي قصور الصحراء التي بناها الأمويون لممارسة الصيد ولتكون محطات تقف عندها القوافل التجارية وقواف الحجاج المتوجهة للديار المقدسة . وبقي الحال هكذا حتى بداية القرن التاسع ميلادي.
الخلافة الفاطمية
(909-1171 ميلادية)
شهد القرنين العاشر والحادي عشر ازدياد نفوذ الفاطميين الذين حكموا مصر واستولوا عام 969 على الأردن. وبذل الفاطميون جهودهم لبسط نفوذهم على المناطق السورية المختلفة طيلة العقدين. وفي بداية القرن الثاني عشر الميلادي تعرضت بلاد الشام لهجمات الحملات الصليبية الشرسة والتي ألقت الأردن في أتون نيران حرب مستعرة. وكان الهدف من الحملات الصليبية تلك هو تخليص القدس البيزنطية من التهديد التركي الإسلامي. وأرسلت القسطنطينية آنئذ بصفتها معقل الدولة البيزنطية تطلب من أوروبا الدعم واستعادة القدس. وتنادت القوى المسيحية الغربية واتحدث وسيرت جيوشاً جندت لها بدعوى "الحرب المقدسة عام 1096 ميلادية.
وما لبث الصليبيون أن قرروا أن عليهم حماية الطرق المؤدية للقدس فبنى الملك بالدوين الأول خطاً من القلاع في عمود الأردن الفقري. ثم وحد بالدوين الأول سوريا ومصر تحت حكمه . لكن القائد العربي صلاح الدين الأيوبي أخرج الصليبين من القدس عام 1187 ميلادي بعد أن هزمهم في معركة حطين مما حرر البلاد من الوجود الأجنبي وخلص الأردن من السيطرة الأجنبية.
الأيوبيون والمماليك
حكم الأيوبيون معظم سوريا ومصر والأردن لفترة امتدت ثمانين عاماً. وجاء التتار في هجمة شرسة على المنطقة عام 1258 ميلادي ونهبوا ودمروا كل مدينة مرت جيوشهم فيها. لكن السلطان الظاهر بيبرس هزمهم هزيمة نكراء عام 1260 في موقعة عين جالوت . ويعود أصل المماليك إلى آسيا الوسطى والقوقاز حيث استولوا على مقاليد الحكم في مصر ومن ثم الأردن وسوريا وكانت القاهرة عاصمة لهم.
ازدهر الأردن في العهد الأيوبي والمملوكي واتحد مع مصر وسوريا واحتل موقعاً بارزاً بين جاراته . وأعيد بناء حصونه وخاناته كي ينزل فيها الحجاج وهم في طريقهم ألى مكة والمدينة ومن أجل تعزيز منعة طرق التجارة الاتصالات. كذلك ازدهر في الأردن في هذا العهد وفي وادي الأردن بالذات حيث أنشأت محطات تنقية السكر المدارة بواسطة الماء.
وتعرضت المنطقة لهجمة جديدة للتتار في عام 1401 ميلادية ، مما تسبب إضافة لضعف الحكومات وانتشار الأمراض في بعض المناطق إلى ضعف المنطقة كلها. وما لبث الأتراك العثمانيون أن هزموا المماليك عام 1516 وبالتالي أصبح الأردن جزءا من الإمبراطورية العثمانية وبقي هكذا طيلة 400 عام.
الإمبراطورية العثمانية
(1516-1918ميلادي)
اعترت الأردن فترة من الركود امتدت طيلة حكم العثمانيين الذي امتد أربعمائة عام. وكان جل اهتمام العثمانيين منصباً على حماية الطرق التي تسلكها قوافل الحجاج في طريقها إلى مكة والمدينة وذلك من اعتداء القبائل التي تعيش في الصحراء وتزويد تلك القوافل بالطعام والماء. من أجل هذا بنى العثمانيون عدداً من القلاع في قصر الضبع، قصر قطرانه وقلعة الحسا. لكنهم مع ذلك لم يتمكنوا من توفير الحماية اللازمة بسبب ضعف العثمانيين . وبقي البدو سادة الصحراء دون منازع ولم تتأثر سيادتهم تلك بعامل الزمن وتغير الحكام. لكن السكان الحضر في المدن أخذوا بالتناقص وباتت أعدادهم في انخفاض مستمر وأقفرت مدناً وقرى برمتها وساءت الزراعة وانتقلت الأسر والقبائل من قرية لأخرى. وبقي الحال هكذا حتى حدوث الهجرات من البلدان المجاورة والتي كان يقوم بها الفارين من دفع الضرائب وضحايا النزاعات أثناء الحكم العثماني في سوريا وفلسطين ، وهجرات المسلمين من قبائل الشراكس والشيشان الفارة من ظلم الحكم الروسي والذين قدموا للأردن وسوريا والعراق وتركيا وسكنوا فيها.
وقد عانى الأردن من الإهمال الذي أصاب تطور بنيته التحتية في العهد العثماني وكان ذلك على سبيل المثال في الأعمال الإنشائية للدولة العثمانية والتي كانت تقام إذا كانت ذات مدلول ديني فقط وبناء على هذا بنت قصر القطرانة لأنه يحمي قوافل الحجاج أما معظم المدارس والمستشفيات والحمامات والآبار ودور الأيتام فبقيت مهملة جداً. وكان أهم الأعمال والمشاريع الإنشائية في ذلك الزمن مشروع إنشاء خط سكة حديد الحجاز الذي كان يبدأ من دمشق حتى المدينة المنورة وأنشأ عام 1908. لكن الجزء الذي يصل المدينة المنورة لم يتم بناءه وبالتالي أصبحت سكة الحديد أداة مفيدة لنقل الجيوش العثمانية والتموين لتصل قلب الأراضي الحجازية. لذا تعرضت السكة لهجمات عديدة وجهت إليها خلال الثورة العربية الكبرى في الحرب العالمية الأولى.
نتائج وإنجازات
أحرز برنامج الحكومة الأردنية لإعادة الهيكلة الاقتصادية نتائج جيدة في جميع مستوياته فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً حقيقياً بمعدل 7 بالمائة مع زيادة كبيرة في حجم الاستثمار في الأعوام 1992 1997 وانخفض عجز الميزانية وكبح جماح التضخم واستقر سعر صرف الدينار الأردني وزاد احتياط المملكة من العملة الصعبة وبات يكفي استيراد المملكة لمدة أربعة أشهر.
لكن عوامل خارجية تكالبت على هذا التطور وأعادت الاقتصاد الأردني إلى وضعه السابق ومنها استمرار إسرائيل في احتكار أسواق مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية إذ أن التبادل التجاري الأردني مع السلطة الفلسطينية لم تتجاوز 42 مليون دولار أمريكي عام 1998 مقارنة مع التبادل التجاري الإسرائيلي مع مناطق السلطة إذ بلغ 3 مليارات دولار أمريكي للعام ذاته.
كذلك أثر تعثر المسار الفلسطيني الإسرائيلي في محادثات السلام على الاقتصاد الفلسطيني في الأراضي المحتلة وخفض من قوته الشرائية والذي كان له تأثيراً سيئاً في تعاملهم التجاري مع الأردن.
وعلى صعيد آخر، بقي الاقتصاد الأردني يعاني من استمرارية فرض العقوبات الاقتصادية على العراق إذ أن خسارة العراق كشريك تجاري أضر بالاقتصاد الأردني ضرراً كبيراً وبالتالي انعكس سلباً على عمليات الإصلاح في البلاد. وواجه الأردن أيضاً ضربة أخرى بعودة حوالي مليون عامل أردني في أسواق الخليج العربي على خلفية الصراع السياسي إثر حرب الخليج إذ فقد اتخذت دول الخليج العربي هذا الإجراء ضد الأردن كرد فعل على الغزو العراقي للكويت وعلى ما فسر بأنه الدعم الأردني له ولم يطرأ أي تحسن حقيقي على هذه العلاقات المتوترة على الرغم من التحسن النسبي الذي شهدته العلاقات الأردنية الخليجية.
وعلى الرغم مما سبق حققت إعادة الهيكلة الاقتصادية في الأردن نحاحاً نسبياً. فقد تم تعزيز استقطاب الاستثمار والإصلاحات القانونية والخصخصة والترشيد المالي وأصبحت بمجملها من الأولويات الهامة في البلاد وفي الوقت ذاته كان السعي للحصول على إعفاءات للديون الخارجية والمنح والقروض وتعزيز التصدير واستقطاب الاستثمار الخاص اعتبارات خارجية هامة للتخفيف من وطأة أعباء برنامج الإصلاح الإقتصادي. وبقي الهدف الأسمى والذي أصبح مطلباً وطنياً خاصاً هو التقليل من اعتماد الأردن على المساعدات الخارجية وإيجاد حلولاً جذرية لهذا الأمر. ولم تعد الهبات التي تتلقاها الدولة تنفق على الاستهلاك عوضاُ عن إنفاقها على الاستثمار كما كان الحال في بداية الثمانينات .
وفقكمـــ الله ــــ