╣۩╠وحش الجهل يفترس الطبيعة╣۩╠
عنوانان صحافيان ظهرا في اليوم نفسه الشهر الماضي. العنوان الأول في جريدة "برابانت داخ بلاد" الهولندية، لتحقيق يعرض مشروع تحوير وتوسعة في طريق رئيسية، لم يلحظ واضعوه إقامة نفق خاص بنوع من الزواحف يعرف باسم "الحرذون ذي العرف". فالجزء الجديد من الطريق يقطع منطقة يعيش فيها هذا الحرذون، مما يعرضه لخطر الدهس بالسيارات إذا عبر من جهة إلى أخرى. في اليوم الاسبوع التالي تقرر إنشاء عشرة أنفاق، حفاظاً على الحرذون.
العنوان الثاني جاء في جريدة "النهار" اللبنانية. أما "الوحش" فهو، وفق المقال، "حيوان مجهول الهوية، يبدو أنه نوع من الزواحف، ذيله حاد ولسانه طويل، ظهر في بلدة المطيلب المتنية". ويتحدث المقال عن حال الهلع التي أصابت السكان من ظهور هذا "الوحش"، الذي شاهده شخصان قبل أن يختفي بين الأعشاب. ويتبين من وصفه أنه سحلية من نوع الورل، ذات حجم كبير، تعيش في الطبيعة وتتغذى بالأعشاب، ولم يعرف عن هذه الزواحف أنها تؤذي البشر أو تأكل اللحم. على الرغم من هذا، فقد تم استنفار مسلح للقضاء على "الوحش". ونصح أحد "الخبراء" بوضع لحم مسموم في الموقع للإيقاع بالحيوان الدخيل، لكن هذا أدى إلى موت عدد من الكلاب والقطط التي أكلت منه، فانتشرت إشاعات أن "الوحش" قتلها.
يبدو أن ملايين الدولارات، التي تم صرفها على دراسات التنوع البيولوجي خلال السنوات العشر الأخيرة، لم تنفع في تعميم الوعي ونشر المعرفة حول الأنواع الحية وضرورة الحفاظ عليها. ولم تفهم الهيئات المسؤولة بعد أن الطبيعة تتسع لجميع الكائنات، التي لا بد من حمايتها لتأمين التوازن على هذا الكوكب. فالدراسات والتقارير بقيت حبراً على ورق، ولم تتحول إلى مناهج تربوية فعالة تعلّم حبّ الطبيعة، كما أنها لم تجد طريقها في قوانين حديثة تحدد معايير التعامل مع أنواع الحيوان والنبات. وفي خضم الجدل حول "الوحش"، لم نسمع رأياً من وزارة البيئة أو من الخبراء الذين كتبوا التقارير والخطط الوطنية حول التنوع البيولوجي خلال السنوات الماضية. ولأن الإنسان عدوّ ما يجهل، أصيب الناس بالهلع من "سحلية المطيلب"، التي تحوّلت إلى "وحش" جُندت لمواجهته قوى الدفاع المدني والمسلح، ناهيك عن سموم الخبراء.
في اليوم نفسه لنشر المقال عن "وحش المطيلب"، ورد خبر صحافي عن وزير شوهد يخالف قرار منع الصيد في إحدى المحميات اللبنانية. أما كان الأجدى أن يتم الاستنفار للقبض على الوحوش البشرية التي تنتهك حرمة الطبيعة؟عدوّنا هو وحش الجهل، وليس ذلك الحيوان المسالم الذي تم إشهار الحرب ضده بين أعشاب المطيلب، بينما يبنون الأنفاق تحت الطرق الدولية في الجزء الآخر من العالم لحماية نوعه. ولمن يتهمنا بالمغالاة في المطالبة بحماية الحيوان في عالم لا يحترم كرامة الإنسان، نقول إننا لن نتعلم احترام الإنسان ما لم نحوّل احترام الطبيعة إلى طريقة حياة.