في ذكر التوبة و الحث عليها قبل الموت
و ختم العمر بها
خرج الإمام أحمد و الترمذي و ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله عز و جل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ، و قال الترمذي حديث حسن . دل هذا الحديث على قبول توبة الله عز و جل لعبده ما دامت روحه في جسده لم تبلغ الحلقوم و التراقي ، و قد دل القرآن على مثل ذلك أيضا قال الله عز و جل : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم و كان الله عليماً حكيما ، و عمل السوء إذا انفرد يدخل فيه جميع السيئات صغيرها و كبيرها ، و المراد بالجهالة الإقدام على السوء و إن علم صاحبه أنه سوء فإن كل من عصى الله فهو جاهل و كل من أطاعه فهو عالم و بيانه من وجهين : أحدهما : أن من كان علماً بالله تعالى و عظمته و كبريائه و جلاله فإنه يهابه و يخشاه فلا يقع منه مع استحضار ذلك عصيانه ، كما قال بعضهم : لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه . و قال آخر : كفى بخشية الله علماً و كفى بالإغترار بالله جهلاً . و الثاني : أن من آثر المعصية على الطاعة فإنما حمله على ذلك جهله و ظنه أنها تنفعه عاجلاً باستعجال لذتها ، و إن كان عنده إيمان فهو يرجو التخلص من سوء عاقبتها بالتوبة في آخر عمره و هذا جهل محض ، فإنه تعجل الإثم و الخزي و يفوته عز التقوى و ثوابها و لذة الطاعة و قد يتمكن من التوبة بعد ذلك ، و قد يعاجله الموت بغتة فهو كجائع أكل طعاماً مسموماً لدفع جوعه الحاضر و رجا أن يتخلص من ضرره بشرب الذرياق بعده ، و هذا لا يفعله إلا جاهل و قد قال تعالى في حق الذين يؤثرون السحر : و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم و لقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق و لبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون * و لو أنهم آمنوا و اتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ، و المراد أنهم آثروا السحر على التقوى و الإيمان لما رجوا فيه من منافع الدنيا المعجلة مع علمهم أنهم يفوتهم بذلك ثواب الآخرة و هذا جهل منهم فإنهم لو علموا لآثروا الإيمان و التقوى على ما عداهما فكانوا يحرزون أجر الآخرة و يأمنون عقابها و يتعجلون عز التقوى في الدنيا ، و ربما وصلوا إلى ما يأملونه في الدنيا أو إلى خير منه و أنفع فإن أكثر ما يطلب بالسحر قضاء حوائج محرمة أو مكروهة عند الله عز و جل . و المؤمن المتقي يعوضه الله في الدنيا خيراً مما يطلبه الساحر و يؤثره مع تعجيله عز التقوى و شرفها و ثواب الآخرة و علو درجاتها ، فتبين بهذا أن إيثار المعصية على الطاعة إنما يحمل عليه الجهل و لذلك كان كل من عصى الله جاهلاً ، و كل من أطاعه عالماً . و كفى بخشية الله علماً و بالإغترار به جهلاً . و أما التوبة من قريب : فالجمهور على أن المراد بها التوبة قبل الموت فالعمر كله قريب ، و من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ، و من مات و لم يتب فقد بعد كل البعد كما قيل :
فهم جيرة الأحياء أما قرارهم فدان و أما الملتقى فبعيد
فالحي قريب و الميت بعيد من الدنيا على قربه منها ، فإن جسمه في الأرض يبلى ، و روحه عند الله تنعم أو تعذب و لقاؤه لا يرجى في الدنيا .
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه لقـــاؤك لا يرجى و أنت قريب
تزيد بلى في كل يوم و ليلة و تنسى كما تبلى و أنت حبيب
و هذان البيتان سمعهما داود الطائي رحمه الله من امرأة في مقبرة تندب بهما ميتاً لها فوقعتا من قلبه فاستيقظ بهما و رجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة فانقطع إلى العبادة إلى أن مات رحمه الله ، فمن تاب قبل أن يغرغر فقد تاب من قريب فتقبل توبته . و روي عن ابن عباس في قوله تعالى : يتوبون من قريب قال : قبل المرض و الموت ، وهذا إشارة إلى أفضل أوقات التوبة و هو أن يبادر الإنسان بالتوبة في صحته قبل نزول المرض به حتى يتمكن حينئذ من العمل الصالح ، و لذلك قرن الله تعالى التوبة بالعمل الصالح في مواضع كثيرة من القرآن . و أيضاً فالتوبة في الصحة و رجاء الحياة تشبه الصدقة بالمال في الصحة و رجاء البقاء . و التوبة في المرض عند حضور إمارات الموت يشبه الصدقة بالمال عند الموت ، فكأن من لا يتوب إلا في مرضه قد استفرغ صحته و قوته في شهوات نفسه و هواه و لذة دنياه ، فإذا أيس من الدنيا و الحياة فيها تاب حينئذ و ترك ما كان عليه ، فأين توبة هذا من توبة من يتوب من قريب و هو صحيح قوي قادر على عمل المعاصي فيتركها خوفاً من الله عز و جل و رجاء لثوابه و إيثاراً لطاعته على معصيته . دخل قوم على بشر الحافي و هو مريض فقالوا له :على ماذا عزمت ؟ فقال : عزمت أني عوفيت تبت ، فقال له رجل منهم : فهلا تبت الساعة فقال : يا أخي أما علمت أن الملوك لا تقبل الأمان ممن في رجليه القيد و في رقبته الغل إنما يقبل الأمان ممن هو راكب الفرس و السيف مجرد بيده فبكى القوم جميعاً ، و معنى هذا أن التائب في صحته بمنزلة من هو راكب على متن جواده و بيده سيف مشهور فهو يقدر على الكر و الفر و القتال و على الهرب من الملك و عصيانه، فإذا جاء على هذه الحال إلى بين يدي الملك ذليلاً له طالباً لأمانه صار بذلك من خواص الملك و أحبابه لأنه جاءه طائعاً مختاراً له راغباً في قربه و خدمته . و أما من هو في أسر الملك و في رجله قيد و في رقبته غل فإنه إذا طلب الأمان من الملك فإنما طلبه خوفاً على نفسه من الهلاك و قد لا يكون محباً للملك و لا مؤثراً لرضاه ، فهذا مثل من لا يتوب إلا في مرضه عند موته ، و الأول بمنزلة من يتوب في صحته و قوته و شبيبته ، لكن ملك الملوك أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين ، و كل خلقه أسير في قبضته لا يعجزه هارب و لا يفوته ذاهب ، و مع هذا فكل من طلب الأمان من عذابه من عباده أمنه على حال كان إذا علم منه الصدق في طلبه .
الأمان الأمان و زري ثقيل و ذنوبي إذا عددت تطــــول
أوبقتني و أوثقتني ذنوبي فترى لي إلى الخلاص سبيل
و قوله عز و جل : و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن و لا الذين يموتون و هم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً فسوى بين من تاب عند الموت و من مات من غير توبة ، و المراد بالتوبة عند الموت التوبة عند انكشاف الغطاء و معاينة المحتضر أمور الآخرة و مشاهدة الملائكة ، فإن الإيمان و التوبة و سائر الأعمال إنما تنفع بالغيب فإذا كشف الغطاء و صار الغيب شهادة لم ينفع الإيمان و لا التوبة في تلك الحال . و روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي قال : لا يزال العبد في مهل من التوبة ما لم يأته ملك الموت بقبض روحه ، فإذا نزل ملك الموت فلا توبة حينئذ .
و بإسناده عن الثوري قال : قال ابن عمر : التوبة مبسوطة ما لم ينزل سلطان الموت . و عن الحسن قال : التوبة معروضة لابن آدم ما لم يأخذ الموت بكظمه . و عن بكر المزني قال : لا تزال التوبة للعبد مبسوطة ما لم تأته الرسل فإذا عاينهم انقطعت المعرفة . و عن أبي مجلز قال : لا يزال العبد في توبة ما لم يعاين الملائكة . و روي أيضاً في كتاب الموت بإسناده عن أبي موسى الأشعري قال : إذا عاين الميت الملك ذهبت المعرفة . و عن مجاهد نحوه ، و عن حصين قال : بلغني أن ملك الموت إذا غمز وريد الإنسان حينئذ يشخص بصره و يذهل عن الناس ، و خرج ابن ماجه حديث أبي موسى مرفوعاً قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم : متى تنقطع معرفة العبد من الناس ؟ قال : إذا عاين . و في إسناده مقال ، و الموقوف أشبه ، و قد قيل : إنه إنما منع من التوبة حينئذ لأنه إذا انقطعت معرفته و ذهل عقله لم يتصور منه ندم و لا عزم ، فإن الندم و العزم إنما يصح مع حضور العقل و هذا ملازم لمعاينة الملائكة كما دلت عليه الأخبار . و قوله صلى الله عليه و سلم في حديث ابن عمر : ما لم يغرغر يعني إذا لم تبلغ روحه عند خروجها منه إلى حلقه فشبه ترددها في حلق المحتضر بما يتغرغر به الإنسان من الماء و غيره و يردده في حلقه ، و إلى ذلك الإشارة في القرآن بقوله عز و جل : فلولا إذا بلغت الحلقوم * و أنتم حينئذ تنظرون * و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون ، و بقوله عز و جل : كلا إذا بلغت التراقي و روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن الحسن قال : أشد ما يكون الموت على العبد إذا بلغت الروح التراقي قال : فعند ذلك يضطرب و يعلو نفسه ، ثم بكى الحسن رحمه الله تعالى .
عش ما بــــدا لك سالماً في ظل شاهقة القصــــــــور
يسعى عليك بما اشتهيـ ـت لدى الرواح و في البكور
فإذا النفــــوس تقعقعت في ضيق حشـــرجة الصدور
فهنــــــــــاك تعلم موقناً ما كنــــــــــــت إلا في غرور
و اعلم أن الإنسان ما دام يأمل الحياة فإنه لا يقطع أمله في الدنيا ، و قد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها و شهواتها من المعاصي و غيرها و يرجيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره . فإذا تيقن الموت و أيس من الحياة أفاق من سكرته بشهوات الدنيا فندم حينئذ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه . و طلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب و يعمل صالحاً فلا يجاب إلى شيء من ذلك فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت ، و قد حذر الله في كتابه عباده من ذلك ليستعدوا للموت قبل نزوله بالتوبة و العمل الصالح ، قال الله تعالى : أنيبوا إلى ربكم و أسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون * أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله . سمع بعض المحتضرين عند احتضاره يلطم على وجهه و يقول : يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله . و قال آخر عند احتضاره : سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي . و قال آخر عند موته : لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتني . و قال الله تعالى : حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها . و قال الله تعالى : و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين * و لن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها ، و قال الله تعالى : و حيل بينهم و بين ما يشتهون . و فسره طائفة من السلف منهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله : بأنهم طلبوا التوبة حين حيل بينهم و بينها قال الحسن : اتق الله يا ابن آدم لا يجتمع عليك خصلتان سكرة الموت و حسرة الفوت . و قال ابن السماك : احذر السكرة و الحسرة أن يفجأك الموت و أنت على الغرة فلا يصف واصف قدر ما تلقى و لا قدر ما ترى . قال الفضيل : يقول الله عز و جل : ابن آدم إذا كنت تتقلب في نعمتي و أنت تتقلب في معصيتي فاحذرني لا أصرعك بين معاصي . و في بعض الإسرائيليات : ابن آدم احذر لا يأخذك الله على ذنب فتلقاه لا حجة لك . مات كثير من المصرين على المعاصي على أقبح أحوالهم و هم مباشرون للمعاصي فكان ذلك خزياً لهم في الدنيا مع ما صاروا إليه من عذاب الآخرة ، و كثيراً ما يقع هذا للمصرين على الخمر المدمنين لشربها كما قال القائل :
أتامن أيها السكران جهلاً بأن تفجاك في السكر المنية
فتضحى عبرة للناس طرا و تلقى الله من شــر البرية
سكر بعض المتقدمين ليلة فعاتبته زوجته على ترك الصلاة فحلف بطلانها ثلاثاً لا يصلي ثلاثة أيام ، فاشتد عليه فراق زوجته فاستمر على ترك الصلاة مدة الأيام الثلاث ، فمات فيها على حاله و هو مصر على الخمر تارك الصلاة . كان بعض المصرين على الخمر يكنى أبا عمرو فنام ليلة و هو سكران فرأى في منامه قائلاً يقول له :
جد بك الأمـــر أبا عمرو و أنت معكوف على الخمر
تشرب صهباء صراحية سال بك السيــل و لا تدري
فاستيقظ منزعجاً و أخبر من عنده بما رأى ثم غلبه سكره فنام فلما كان وقت الصبح مات فجأة . قال يحيى بن معاذ : الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى نادماً مع الخاسرين . و في حديث خرجه الترمذي مرفوعاً ما من أحد يموت إلا ندم ، قالوا : و ما ندامته ؟ قال : إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد ، و إن كان مسيئاً ندم أن لا يكون استعتب . إذا ندم المحسن عند الموت فكيف يكون حال المسيء . غاية أمنية الموتى في قبورهم حياة ساعة يستدركون فيها ما فاتهم من توبة و عمل صالح ، و أهل الدنيا يفرطون في حياتهم فتذهب أعمارهم في الغفلة ضياعاً ، و منهم من يقطعها بالمعاصي . قال بعض السلف : أصبحتم في أمنية ناس كثير ، يعني أن الموتى كلهم يتمنون حياة ساعة ليتوبوا فيها و يجتهدوا في الطاعة و لا سبيل لهم إلى ذلك .
لو قيل لقوم ما مناكموا طلبوا حياة يـــــوم ليتوبوا فاعلم
ويحـــــــــــك يا نفس ألا تيقظ ينفــــــع قبل أن تزل قدمي
مضى الزمان في ثوان وهوىفاستدركي ما قد بقي و اغتنمي
الناس في التوبة على أقسام : فمنهم : من لا يوفق لتوبة نصوح بل ييسر له عمل السيئات من أول عمره إلى آخره حتى يموت مصراً علها و هذه حالة الأشقياء . و أقبح من ذلك : من يسر له في أول عمره عمل الطاعات ثم ختم له بعمل سيء حتى مات عليه كما في الحديث الصحيح : إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع ، ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . و في الحديث الذي خرجه أهل السنن : إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين عاماً ثم يحضره الموت فيجور في وصيته فيدخل النار . ما أصعب الإنتقال من البصر إلى العمى ، و أصعب منه الضلالة بعد الهدى و المعصية بعد التقى . كم من وجوه خاشعة وقع على قصص أعمالها عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية ، كم من شارف مركبه ساحل النجاة فلما هم أن يرقى لعب به موج الهوى فغرق الخلق كلهم تحت هذا الخطر . قلوب العباد بين اصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء . قال بعضهم : ما العجب ممن هلك كيف هلك إنما العجب ممن نجا كيف نجا .
يا قلبي إلام تطـــــالبني بلقا الأحبـــاب و قد رحلوا
أرسلتــك في طلبي لهم لتعود فضعت و ما حصلوا
ما أحسن ما علقت بهم آمالك منــــــهم لو قد فعلوا
سلم و اصبـــــــــر و اخضع لهم كم قبلك مثلك قد قتلوا
و قسم يفني عمره في الغفلة و البطالة ثم يوفق لعمل صالح فيموت عليه ، و هذه حالة من عمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها .
الأعمال بالخواتيم
إذا أراد الله بعبد غسله قالوا : و ما غسله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه ، و هؤلاء : منهم : من يوقظ قبل موته بمدة يتمكن فيها من التزود بعمل صالح يختم به عمره . و منهم : من يوقظ عند حضور الموت فيوفق لتوبة نصوح يموت عليها . قالت عائشة رضي الله عنها : إذا أراد الله بعبد خيراً قيض له ملكاً قبل موته بعام فيسدده و ييسره حتى يموت و هو خير ما كان و يقول الناس : مات فلان خير ما كان . و خرجه البزار عنها مرفوعاً : إذا أراد الله بعبد خيراً بعث إليه ملكاً من عامه الذي يموت فيه فيسدده و ييسره فإذا كان عند موته أتاه ملك الموت فقعد عند رأسه فقال : أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله و رضوان ، فذلك حين يحب لقاء الله و يحب الله لقاءه . و إذا أراد الله بعبد شراً بعث إليه شيطاناً من عامه الذي يموت فيه فأغواه فإذا كان عند موته أتاه ملك الموت فقعد عند رأسه فقال : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله و غضب فتتفرق في جسده فذلك حين يبغض لقاء الله و يبغض الله لقاءه . و في الدعاء المأثور : اللهم اجعل خير عملي خاتمته ، و خير عمري آخره . و في المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : من تاب قبل موته عاماً تيب عليه ، و من تاب قبل موته شهراً تيب عليه حتى قال يوماً حتى قال : ساعة حتى قال : فواقاً قال : قال له إنسان أرأيت إن كان مشركاً فأسلم ؟ قال : إنما أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال أحدهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله عز و جل يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم قال الآخر : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم ، قال : و أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله عز و جل يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم فقال ثالث : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال نعم ، قال : و أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله عز و جل يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحوة ، قال الرابع : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم ، قال : و أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله عز و جل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه . و فيه أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الشيطان قال : و عزتك يا رب لا ابرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب عز و جل : و عزتي و جلالي لا أزل أغفر لهم ما استغفروني . ذكر ابن أبي الدنيا بإسناد له أن رجلاً من ملوك البصرة كان قد تنسك ثم مال إلى الدنيا و الشيطان فبنى داراً و شيدها و أمر بها ففرشت له و نجدت و اتخذ مأدبة و صنع طعاماً ، و دعا الناس فجعلوا يدخلون فيأكلون و يشربون و ينظرون إلى بنائه و يعجبون منه و يدعون له و يتفرقون ، فمكث بذلك أياماً حتى فرغ من أمر الناس ، ثم جلس في نفر من خاصة إخوانه فقال : قد ترون سروري بداري هذه و قد حدثت نفسي أن أتخذ لكل واحد من ولدي مثلها فأقيموا عندي أياماً أستمتع بحديثكم و أشاوركم فيما أريد من هذا لولدي ، فأقاموا عنده أياماً يلهون و يلعبون و يشاورهم كيف يبني لولده و كيف يريد أن يصنع ، فبينما هم ذات ليلة في لهوهم إذا سمعوا قائلاً يقول : من أقاصي الدار :
يا أيها البــــــاني الناسي منيته لا تأمنن فإن المـــــــــوت مكتوب
على الخلائق إن سروا وإن فرحوا فالموت حتف لذي الآمال منصوب
لا تبنين ديـــــاراً لست تسكنها و راجع النسـك كيما يغفر الحوب
قال : ففزع لذلك و فزع أصحابه فزعاً شديداً و راعهم ما سمعوا من ذلك ، فقال لأصحابه : هل سمعتم ما سمعت ؟ قالوا : نعم ، قال : فهل تجدون ما أجد ؟ قالوا : و ما تجد ؟ قال : أجد و الله مسكة على قلبي ما أراها إلا علة الموت ، قالوا : كلا بل البقاء و العافية ، قال : فبكى و قال : أنتم أخلائي و إخواني فما لي عندكم قالوا : مرنا بما أحببت قال : فأمر بالشراب فأهريق و بالملاهي فأخرجت ثم قال : اللهم إني أشهدك و من حضر من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي نادم على ما فرطت أيام مهلتي ، و إياك أسأل إن أقلتني أن تتم علي نعمتك بالإنابة إلى طاعتك و إن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلاً منك علي ، و اشتد به الأمر فلم يزل يقول : الموت و الله ، الموت و الله ، حتى خرجت روحه . و كان الفقهاء يرون أنه مات على توبته . و روى الواحدي في كتاب قتلى القرآن : بإسناد له : أن رجلاً من أشراف أهل البصرة كان منحدراً إليها في سفينة و معه جارية له فشرب يوماً و غنته جاريته بعود لها و كان معهم في السفينة فقير صالح ، فقال له يا فتى تحسن مثل هذا ؟ قال أحسن ما هو أحسن منه و كان الفقير حسن الصوت فاستفتح و قرأ : قل متاع الدنيا قليل و الآخرة خير لمن اتقى و لا تظلمون فتيلا * أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة . فرمى الرجل ما بيده من الشراب في الماء و قال : أشهد أن هذا أحسن مما سمعت فهل غير هذا ؟ قال : نعم فتلا عليه : و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها الآية . فوقعت في قلبه موقعاً و رمى بالشراب في الماء و كسر العود ثم قال : يا فتى هل ههنا فرج ؟ قال : نعم ، قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم الآية ، فصاح صيحة عظيمة فنظروا إليه فإذا هو قد مات رحمه الله . و روى ابن أبي الدنيا بإسناد له أن صالحاً المري رحمه الله كان يوماً في مجلسه يقص على الناس فقرأ عنده قارىء : و أنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع فذكر صالح : النار و حال العصاة فيها ، و صفة سياقهم إليها و بالغ في ذلك و بكى الناس ، فقام فتى كان حاضراً في مجلسه و كان مسرفاً على نفسه فقال : أكل هذا في القيامة ؟ فقال صالح : نعم و ما هو أكبر منه ، لقد بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم فلا يبقى منهم إلا كهيئة الأنين من المريض المدنف فصاح الفتى أيا لله ، واغفلتاه عن نفسي أيام الحياة وا أسفاه على تفريطي في طاعتك يا سيداه ، وا أسفاه على تضييع عمري في دار الدنيا ، ثم استقبل القبلة و عاهد الله على توبة نصوح و دعا الله أن يتقبل منه و بكى حتى غشي عله ، فحمل من المجلس صريعاً ، فمكث صالح و أصحابه يعودونه أياماً ثم مات ، فحضره خلق كثير فكان صالح يذكره في مجلسه كثيراً و يقول : و بأبي قتيل القرآن ، و بأبي قتيل الواعظ و الأحزان ، فرآه رجل في منامه فقال : ما صنعت ؟ قال : عمتني بركة مجلس صالح فدخلت في سعة رحمة الله : ورحمتي وسعت كل شيء . من آلمته سياط المواعظ فصاح فلا جناح ، و من زاد ألمه فمات فدمه مباح .
قضى الله في القتلى قصاص دمائهم و لكن دماء العاشقين جبار
و بقى ههنا قسم آخر و هو أشرف الأقسام و أرفعها : و هو من يفني عمره في الطاعة ثم ينبه على قرب الأجل ليجد في التزود و يتهيأ للرحيل بعمل يصلح للقاء ، يكون خاتمه للعمل . قال ابن عباس : لما نزلت على النبي صلى الله عليه و سلم : إذا جاء نصر الله و الفتح نعيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه فأخذ في أشد ما كان اجتهاداً في أمر الآخرة قالت أم سلمة : كان النبي صلى الله عليه و سلم في آخر أمره لا يقوم و لا يقعد و لا يذهب و لا يجيء إلا قال : سبحان الله و يحمده ، فذكرت ذلك له فقال : إني أمرت بذلك و تلا هذه السورة . كان من عادته صلى الله عليه و سلم أن يعتكف في كل عام في رمضان عشراً ، و يعرض القرآن على جبريل مرة ، فاعتكف في ذلك العام عشرين يوماً ، و عرض القرآن مرتين ، و كان يقول : ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي ثم حج حجة الوداع ، و قال للناس : خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، و طفق يودع الناس فقالوا : هذه حجة الوداع ثم رجع إلى المدينة فخطب قبل وصوله إليها و قال : أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، ثم أمر بالتمسك بكتاب الله ثم توفي بعد وصوله إلى المدينة بيسير صلى الله عليه و سلم . إذا كان سيد المحسنين يؤمر أن يختم عمره بالزيادة في الإحسان فكيف يكون حال المسيء .
خذ في جد فقد تولى العمـر كم ذا التفــريط قد تدانى الأمر
أقبل فعسى يقبل منك العذر كم تبني كم تنقض كم ذا العذر
مرض بعض العابدين فوصف له دواء يشربه ، فأتي في منامه فقيل له : أتشرب الدواء و الحور العين لك تهيأ ؟ فانتبه فزعاً فصلى في ثلاثة أيام حتى انحنى صلبه ثم مات في اليوم الثالث . كان رجل قد اعتزل و تعبد فرأى في منامه قائلاً يقول له : يا فلان ربك يدعوك فتجهز و اخرج إلى الحج و لست عائداً ، فخرج إلى الحج فمات في الطريق . رأى بعض الصالحين في منامه قائلاً ينشده :
تأهب للذي لا بــــــــــــد منه من الموت الموكل بالعباد
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد و أنت بغيــر زاد
خرج ابن ماجه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب فقال في خطبته : أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا ، و بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا و في سنده ضعف . فأمر بالمبادرة قبل الموت . و كل ساعة تمر على ابن آدم فإنه يمكن أن تكون ساعة موته بل كل نفس كما قيل :
لا تأمن الموت في طرف و لا نفس و إن تمنعت بالحجاب و الحرس
قال لقمان لابنه : يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة . و قال بعض الحكماء : لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ، و يؤخر التوبة لطول الأمل .
إلى الله تب قبل انقضاء من العمر أخي و لا تأمن مفاجـــأة الأمر
و لا تستصمن عن دعـــائي فإنما دعوتك إشفاقاً عليك من الوزر
فقد حذرتك الحـــــــادثات نزولها و نادتك إلا أن سمــعك ذو وقر
تنـــوح و تبكي للأحبة إن مضوا ونفسك لا تبكي وأنت على الأثر
قال بعض السلف : أصبحوا تائبين و أمسوا تائبين يشير إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يصبح و يمسي إلا على توبة فإنه لا يدري متى يفاجئه الموت صباحاً أو مساء ، فمن أصبح أو أمسى على غير توبة فهو على خطر لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب فيحشر في زمرة الظالمين ، قال الله تعالى : و من لم يتب فأولئك هم الظالمون . تأخير التوبة في حال الشباب قبيح ، و في حال المشيب أقبح و أقبح .
نعى لك ظل الشبــاب مزهج و نادتـك باسم سواك الخطوب
فكــن مستعداً لداعي الفـــنا فكــــــــــــل الذي هو آت قريب
ألسنا نرى شهـــــوات النفو س تفنى و تبقى علينا الذنوب
يخاف على نفسه من يتوب فكيف يكــــن حال من لا يتوب
فإن نزل المرض بالعبد فتأخيره للتوبة حينئذ أقبح من كل قبيح فإن المرض نذير الموت . و ينبغي لمن عاد مريضاً أن يذكره التوبة و الإستغفار فلا أحسن من ختام الأعمال بالتوبة و الإستغفار ، فإن كان العمل سيئاً كان كفارة له و إن كان حسناً كان كالطابع عليه . و في حديث سيد الإستغفار المخرج في الصحيح : أن من قاله إذا أصبح و إذا أمسى ثم مات من يومه أو ليلته كان من أهل الجنة . و ليكثر في مرضه من ذكر الله عز و جل خصوصاً كلمة التوحيد فإنه من كانت آخر كلامه دخل الجنة . و في حديث أبي سعيد و أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : أن من قال في مرضه : لا إله إلا الله و الله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد ، لا إله إلا الله و لا حول و لا قوة إلا بالله . فإن مات من مرضه لم تطعمه النار ، خرجه النسائي و ابن ماجه و الترمذي و حسنه . و في رواية للنسائي : من قالهن في يوم أو في ليلة أو في شهر ثم مات في ذلك اليوم أو في تلك الليلة أو في ذلك الشهر غفر له ذنبه ، و يروى من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه و سلم : من ختم له بقوله لا إله إلا الله دخل الجنة ، و من ختم له بصيام يوم أراد به وجه الله أدخله الله الجنة ، و من ختم له بإطعام مسكين أراد به وجه الله أدخله الله الجنة . كان السلف يرون : أن من مات عقب عمل صالح كصيام رمضان أو عقيب حج أو عمرة يرجى له أن يدخل الجنة ، و كانوا مع اجتهادهم في الصحة في الأعمال الصالحة يجددون التوبة و الإستغفار عند الموت ، و يختمون أعمالهم بالإستغفار و كلمة التوحيد . لما احتضر العلاء بن زياد بكى فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : كنت و الله أحب أن أستقبل الموت بتوبة قالوا : فافعل رحمك الله فدعا بطهور فتطهر ثم دعا بثوب جديد فلبسه ثم استقبل القبلة فأومأ برأسه مرتين أو نحو ذلك ثم اضطجع و مات ، و لما احتضر عامر بن عبد الله بكى و قال : لمثل هذا الصراع فليعمل العاملون : اللهم إني أستغفرك من تقصيري و تفريطي و أتوب إليك من جميع ذنوبي لا إله إلا الله ، ثم لم يزل يرددها حتى مات رحمه الله . و قال عمرو بن العاص رحمه الله عند موته : اللهم أمرتنا فعصينا ، و نهيتنا فركبنا و لا يسعنا إلا عفوك لا إله إلا الله ، ثم رددها حتى مات . و قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عند موته : أجلسوني فأجلسوه فقال : أنا الذي أمرتني فقصرت و نهيتني فعصيت و لكن لا إله إلا الله ثم رفع رأسه فأحد النظر فقالوا : إنك تنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين فقال : أتاني حضرة ما هم بإنس و لا جن ثم قبض رحمة الله عليه ، و سمعوا تالياً يتلو : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتقين .
يا غافل القلب عن ذكر المنيات عما قليل ستثوى بين أمـــــــوات
فاذكر محلك من قبل الحلول به و تب إلى الله من لـــــهو و لذات
إن الحمــــــام له وقت إلى أجل فاذكر مصـــــــائب أيام و ساعات
لا تطمئن إلى الدنـــيا و زينتها قد حان للموت يا ذا اللب أن يأتي
التوبة التوبة قبل أن يصل إليكم من الموت التوبة فيحصل المفرط على الندم و الخيبة ، و الإنابة الإنابة قبل غلق باب الإجابة ، الإفاقة الإفاقة فقد قرب وقت الفاقة . ما أحسن قلق التواب ، ما أحلى قدوم الغياب ، ما أجمل وقوفهم بالباب .
أسأت و لم أحسن وجئتك هاربا و إني لعبــد من مواليه مهرب
يؤمل غفراناً فإن خــــــاب ظنه فما أحد منه على الأرض أخيب
من نزل به الشيب فهو بمنزلة الحامل التي تمت شهور حملها فما تنتظر إلا الولادة كذلك صاحب الشيب لا ينتظر إلا الموت فقبيح منه الإصرار على الذنب .
أي شيء تريد مني الذنــوب شغفت بي فليـس عني تغيب
ما يضر الذنوب لو أعتقتني رحمة بي فقد علاني المشيب
و لكن توبة الشاب أحسن و أفضل ، في حديث مرفوع خرجه ابن أبي الدنيا : إن الله يحب الشاب التائب . قال عمير بن هانيء : تقول التوبة للشاب : أهلاً و مرحباً ، و تقول للشيخ : نقبلك على ما كان منك . الشاب ترك المعصية مع قوة الداعي إليها ، و الشيخ قد ضعفت شهوته و قل داعيه فلا يستويان . في بعض الآثار يقول الله عز و جل : أيها الشاب التارك شهوته المبتذل شبابه لأجلي أنت عندي كبعض ملائكتي .قال عمر : إن الذين يشترون المعاصي و لا يعلمون بها : أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة و أجر عظيم . كم بين حال الذي قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي و بين شيخ عنين يدعى لمثل ذلك . كان عمر يعس بالمدينة فسمع امرأة غاب عنها زوجها تقول كان
تطاول هذا الليل و اســـود جانبه و أرقني أن لا خلــــيل ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيـــــره لحرك من هذا السرير جوانبه
و لكن تقوى الله عن ذا تصدني و حفظاً لبعلي أن تنال مراكبه
فقال لها عمر يرحمك الله ، ثم بعث إلى زوجها أمره أن يقدم عليها ، و أمر أن لا يغيب أحد عن امرأته اكثر من أربعة أشهر و عشراً . الشيخ قد تركته الذنوب فلا حمد له على تركها كما قيل :
تارك الذنب فتاركته بالفعل و الشهوة في القلب
فالحمــــــــــد للذنب على تركه لا لك في تركك للذنب
أما تستحي منا لما أعرضت لذات الدنيا عنك فلم يبق لك فيها رغبة ، و صرت من سقط المتاع لا حاجة لأحد فيك ، جئت إلى بابنا فقلت : أنا تائب و مع هذا فكل من أوى إلينا آويناه ، و من استجار بنا أجرناه ، و من تاب إلينا أحببناه : أبشر فربما يكون الشيب شافعاً لصاحبه من العقوبات . مات شيخ كان مفرطاً فرؤي في المنام فقيل له : ما فعل بك قال : قال لي لولا أنك شيخ لعذبتك . وقف شيخ بعرفة و الناس يضجون بالدعاء و هو ساكت ثم قبض على لحيته و قال : يا رب شيخ يرجو رحمتك .
لما أتونا و الشيب شافعهم و قد توالى عليهم الخجـــل
قلنا لسود الصحائف انقلبي بيضاً فإن الشيوخ قد قبلوا
كان بعض الصالحين يقول :
إن الملوك إذا شابت عبيـــدهم في رقهم عتقـــــــــــوهم عتق أبرار
و أنت يا خلقي أولى بذاكر ما قد شبت في الرق فأعتقني من النار
أيها العاصي ما يقطع من صلاحك الطمع ما نصبنا اليوم شرك المواعظ إلا لتقع ، إذا خرجت من المجلس و أنت عازم على التوبة قالت لك ملائكة الرحمة : مرحباً و سهلاً ، فإن قال لك رفقاؤك في المعصية : هلم إلينا ، فقل لهم : كلا ذاك خمر الهوى الذي عهدتموه قد استحال خلا . يا من سود كتابه بالسيئات قد آن لك بالتوبة أن تمحو . يا سكران القلب بالشهوات أما آن لفؤادك أن يصحو .
يا نداماي صحــا القلب صحا فاطردوا عني الصبا و المرحا
زجر الوعظ فؤادي فارعوي و أفاق القلـــــب مني و صحا
هزم العزم جنــــــوداً للهوى فاســـــدي لا تعجبوا إن صلحا
بادروا التوبة من قبل الردى فمنـــــــــــــــاديه ينادينا الوحا