أم في الشعر حب يسكننا وقلب نسكنه
السلامـ عليكمـ و رحمة اللهـ تعالى و بركاتهـ
بسمـ اللهـ الرحمنـ الرحيمـ
أحن إلي خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي
الأم في الشعر حب يسكننا وقلب نسكنه
تحتل الأم منزلة خاصة ومكانة مميزة في قلوب الجميع ، وكم من شاعر تغني وغني لها وأنشد لها شعراً ونظم في مدحها القصائد ، وخط بمداد قلمه كلمات معطرة بالمسك والعنبر ، ومبخرة بأريج يفوح منه أسمي عاطفة ، ومهما قيل ويقال عن الأم فلن يفيها أحد حقها لأنها نبع العطاء وأصل الوجود فحقها عظيم وفضلها كبير وخيرها عميم يفيض علي البشر من عهد آدم إلي آخر الزمان .
وقد حظيت الأم بنصيب وافر في تراث الأمم والأقوام منذ فجر التاريخ وإلى اليوم ، ونالت عند العرب حظوة ومكانة منذ بدء الرسالة النبوية حيث أعطيت للمرأة نصيبها من الحياة وجعلها حرة ونبذ عادة وأد البنات التي شاعت أيام الجاهلية الأولى .
وتغنى الشعراء بالأم عبر العصور الأدبية، لما لا وهي التي تلد الذكور والإناث ، وتسهر على راحتهم ، وتعتني بتربيتهم ليصبحوا رجالاً ونساءً في المجتمع.
وفي السطور القادمة نقدم لكم بعض ما قيل عن الأم وحنانها وطيبتها عن لسان الشعراء :
حيث أشار شعراء العرب قبل الإسلام إلى الأم في قصائدهم ، متخذين صوراً عديدة من حياتها، ومنهم الطفيل الغنوي ، وجليلة ، وعروة بن الورد ، فقال الغنوي :
يقولون لمّا جمعوا العدوّ شملهم ......... لك الأم منّا في المواطن والأبِ
وقالت جليلة في الأم :
تحملُ العينَ كما تحمل ....... الأمُ أذى ما تفتلي
أما عروة بن الورد أمير الصعاليك ، فقال عن الأم :
فإنّي وإياكم كذي الأم أرهنت ........ لهُ ماء عينها تفدي وتحمل
وإليكم هذه المجموعة المختلفة من أفضل ما قيل عن الأم ومن أروع الشعراء فالشاعر أحمد شوقي قال في حق الأم :
يسير على أشلاء والده الفتى ......... وينسى هناك المرضع الأم والأبِ
أو قوله عنها :
فيقالُ الأم في موكبها ......... ويُقال الحرم العالي المَصُون
كما قال :
وَصُن لغة يحق لها الصِيان ....... فخير مظاهر الأم البيان
وذكرها بقوله :
فأشتغل القلب عليه وأشتغل ......... وسارت الأم به على عجل
ثم قال شوقي أيضاً :
فناحت الأم وصاحت واهاً ......... إنّ المَعالي قتَلت فَتَــاها
وأنشد شاعر النقائض جرير عن الأم قائلاً:
أغرّ كان البدر تحت ثيابه ......... كريمٌ إلى الأمِ الكريمة والأب
وقوله أيضاً:
على ابنك وابن الأم ذا أدركتهما ........... المنايا وقد افنين عاداً وتُبعَا
وكذلك قوله:
حملنا إليها من معاوية التي هي ............. الأم تغشى كل فرخٍ منقنقِ
وكذلك أشاد الشاعر حافظ إبراهيم بمنزلة ومكانة الأم في المجتمع في قصيدته المشهورة ومنها قوله فيها:
الأمُ مدرسة إذا أعدَدْتَها ......... أعدَدْتَ شعباً طيبَ الأعراقِ
الأمُ روضٌ إن تعهده الحيا .......... بالريِّ أورَق أيمّا إيرَاقِ
الأم أستاذ الأساتذة الأُلى .............. شغَلَت مآثرهم مَدى الآفاقِ
وقال خليل مطران :
نعمت الأمُ أنجبت خيرة الأولاد .......... للبِّرِ والنَدى والوفــاءِ
وقال أيضاً :
رأينا كمالَ الأم والبيت عندهم ......... وحكمة فتيان وعفة خرد
أما محمود درويش فقال عن الأم :
أحن إلى خبز أمي
و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر أمي
وأعشق عمري لأني
إذا متّ ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني ،إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
و غطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
و شدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقودا بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت ،فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك !
وفاروق جويدة قال في قصيدته " طيف نسميه الحنين " عن الأم :
في الركن يبدو وجه أمي
لا أراه لأنه
سكن الجوانح من سنين
فالعين إن غفلت قليلا لا تري
لكن من سكن الجوانح لا يغيب
وإن تواري مثل كل الغائبين
يبدو أمامي وجه أمي كلما
اشتدت رياح الحزن وارتعد الجبين
الناس ترحل في العيون وتختفي
وتصير حزنـا في الضلوع
ورجفة في القلب تخفق كل حين
لكنها أمي
يمر العمر أسكنـها..وتسكن ني
وتبدو كالظلال تطوف خافتة
علي القلب الحزين
منذ انشطرنا والمدى حولي يضيق
وكل شيء بعدها عمر ضنين
صارت مع الأيام طيفـا
لا يغيب..ولا يبين
طيفـا نسميه الحنين
ومن أروع ما قاله نزار قباني عن الأم :
صباحُ الخيرِ يا حلوه..
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوة
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافية
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..
أنا وحدي..
دخانُ سجائري يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ..
تفتّشُ - بعدُ- عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا..
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ..
وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر..
على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها..
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي..
أيا أمي..