صفـة الحـور العيـن
وإنك -يا ولي الله- لتتكئ في الجنة سبعين سنة، قبل أن تتحول، ثم تأتيك امرأتك، فتضرب على منكبيك، فترى وجهك في خدها أصفى من المرآة، وتنظر إلى بياض ساقها من وراء سبعين حلة، حتى ترى مخها، كأنهن الياقوت والمرجان، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، فتُسَلِّم عليك، فترد السلام، وتسألها: من أنتِ؟ فتقول لك: أنا من المزيد، عليها سبعون ثوبا، أدناها مثل النعمان من طوبى، فينفذها بصرك حتى ترى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها من التيجان، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. والذي نفسي بيده، لو اطلعتْ على أهل الأرض لأضاءتْ ما بينهما، ولملأتْ ما بينهما بريحها، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها.
فإن سألتَ عن أزواجك وحبيباتك يا عبد الله، فاعلم أنهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت.
إذا قابلتْ حِبَّها فقل ما تشاء في تقابل النورين، وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها كما يُرى في المرآة التي جلاها صيقلها ، ويَرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها، ولا عظمها، ولا حللها. لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، وأفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، ولتزخرفت لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوءَ الشمس كما تطمس الشمسُ ضوء النجوم، ولآمن من على ظهرها بالله الحي القيوم، ولَنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، ووصالها أشهى إليك من جميع أمانيها.
ولا تزداد على طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا تزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالاً، مبرأة من الحبل والولادة، والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق، والمذي والمني، والبول والغائط، وسائر الأدناس. مطهرة من الأخلاق السيئة، والصفات المذمومة، والفحش والبذاء، ومن النظر إلى غير زوجها. لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلِق ثوب جمالها، ولا يُمَل طيب وصالها، قد قصرت على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه. وقصر طرفك عليها، فهي غاية أمنيتك وهواك، إن نظرتَ إليها سرتك، وإن أمرتها بطاعتك أطاعتك، وإن غبتَ عنها حفظتك، فأنتَ منها في غاية الأماني، لم يطمثها قبلك إنس ولا جان، كلما نظرتَ إليها ملأتْ قلبك سروراً، وكلما حدثتْك ملأتْ أذنك لؤلؤاً منظوماً، وإذا برزتْ ملأت القصر والغرفة نوراً.
وإن سألت عن السن فأتراب في أعدل من الشباب، وإن سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر، وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن جور، وإن سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان، وإن سألت عن النهود فمن الكواعب، ونهودهن كألطف الرمان، وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان، وإن سألت عن حسن الْخُلُق فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمعن بين الحسن والإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس وقرة النواظر، وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك، فهن العُرب المحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج.
فما ظنك بامرأة إذا ضحكتْ في وجهك أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلتْ من قصر إلى قصر قلتَ: هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها، وإذا حاضرتك فيا حسن تلك المحاضرة، وإن خاصرتك فيا لذة المعانقة والمخاصرة، وإن غنتْ لك فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنستْك وأمتعتْك فيا حبَّذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبّلَتْك فلا شيء أشهى إليك من التقبيل، وإن نلتَها فلا ألذَّ ولا أطيبَ من ذلك التنويل.
أما يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه، فإنه اليوم الأعظم والأجمل، ففيه ترى الرب الرحيم، كما ترى الشمس في الظهيرة، والقمر ليلة البدر. فالجنة، وربِّ الكعبة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
واسمع -يا عبد الله- وصف الحور العين، التي قصّ الله عليك ذكرها، وبيّن لك النبي صلى الله عليه وسلم وصفها، ولنأخذ في وصفها عضواً عضواً، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وما وجدنا نصاً ودليلاً، ولنبدأ بأعلاها حتى ننتهي إلى أسفلها.
أما طولها فيتناسب مع طول حبيبها، وأما عرضها فيتلاءم مع عرض زوجها، وأما الحلل التي عليها فهي من سندس وإستبرق وحرير، بألوان خضراء وحمراء وغير ذلك، مع الشفافية والصفاء، مكللة بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ. أما التيجان على رأسها فخير من الدنيا وما فيها، عليه ألوان وأنواع لا تحصى من الجواهر. وخمارها على رأسها خير من الدنيا وما فيها. وشعرها طويل ناعم، صُفَّ بطريقة فاتنة ساحرة، ينفجر منه الريح، وينبثق منه النور والجمال، لو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها.
وأما وجهها فيعجز اللسان عن وصفه، ويعجز الكلام عن بيانه، ويعجز العقل عن تصوره، فلو أخرجتِ الحور وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض، فنور وجوههن من نور الله عز وجل. ولو أن يدا من الحور، بياضها وخواتيمها، دُلِّيَتْ من السماء، لأضاءتْ لها الأرض كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، هذه يدها، فكيف بالوجه بياضه وحسنه وجماله، وتاجه وياقوته، ولؤلؤه وزبرجده.
وما أدراك ما الجبهة اتساعاً وجمالاً ونوراً، ثم ما أدراك ما العين، إنها الحوراء العيناء، شديدة بياض بياض العين، شديدة سواد سواد العين، يحار الطرف في حسن عينها، عظيمة العين مع اتساع، ومع كل هذا فهي قاصرة الطرف على زوجها. أما الحاجب فرقيق واسع أسود، والأنف ضيق، والفم أيضا، فمجمع الجمال والحسن، جمال الشفة، وجمال الأسنان، وجمال الصوت والنغمات. يسطع نور في الجنة، لم يبق موضع من الجنة إلا دخله من ذلك النور، فإذا رفعوا رؤوسهم وجدوه من ثغر حوراء، ضحكت في وجه زوجها.
وأما ريقها فعذب، أحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، لو أن حوراء بزقت في بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها، بل لو أن امرأة من نساء أهل الجنة بصقت في سبعة أبحر، لكانت تلك الأبحر أحلى من العسل. وأما كلامها فهو السحر الحلال، وهي قصيرة اللسان عن كثرة الكلام. وأما صوتها وغناؤها، فلو أن الله كتب على أوليائه الموت لماتوا جميعا من جمال صوتها، فيا لروعة نغماتها، ويا لجماله. وأما رائحة فمها، فلو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرقتْ لملأتِ الأرض ريح مسك، ولأذهبتْ ضوء الشمس والقمر.
وأما عنقها، فكأنه الياقوت والمرجان، ترى وجهك في جيدها، أصفى من المرآة، وإن لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، وإنه ليكون عليها سبعون ثوباً، ينفذها بصرك حتى ترى مخ ساقها من وراء ذلك. وأما الثدي، فكواعب أتراباً، فثدي الحوراء لا يتدلى، وإنما هو كالتفاح، مكعب بدون زوايا، نواهد مستديرة، كالرمان. وأما الكبد فمرآة صافية، كبدك لها مرآة، وكبدها لك مرآة.
وأما صدرها ووسطها وسرتها، أعلاها وأسفلها، وفخذاها، وكتفاها، وعضدها، ومرفقاها، وساعداها، وركبتاها، وقدمها، فشيء يعلو على الخيال، ولذا لم يرد فيه وصف عن الكبير المتعال، ولا النبي سيد الرجال. وأما أصابعها، فأحدها أجمل وأشد ضوءاً من الشمس والقمر، لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوؤُه ضوءَ الشمس والقمر. وأما أسفلها فهي عظيمة جسم المقعدة، مع رقة وصفاء، ولين ولطف، وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدتها قدر ميل.
وإنك يا أخي لتمسك التفاحة من تفاح الجنة، فتنفلق في يدك، فتخرج منها حوراء، لو نظرتْ للشمس لأخجلتِ الشمس من حسنها، من غير أن ينقص من التفاحة، كالسراج الذي يوقد منه سراج آخر فلا ينقص، والله على ما يشاء قدير.
فالحور العين خُلِقتْ من ثلاثة أشياء: أسفلهن من المسك، وأوسطهن من العنبر، وأعلاهن من الكافور، وشعورهن وحواجبهن سواد خط من نور. يخلقهن الله من قضبان العنبر والزعفران، مضروبات عليهن الخيام. أول ما يخلق الله منهن نهداً من مسك أذفر أبيض، عليه يلْتامُ البدن. ومنهن من خَلَقَ اللهُ من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور الأبيض، عليها سبعون ألف حلة، مثل شقائق النعمان. إذا أقبلت يتلألأ وجهها نوراً ساطعاً كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا، وإذا أدبرت يرى كبدها من رقة ثيابها وجلدها، في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك الأذفر، لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها.
مكتوب في نحرها: أنت حبي وأنا حبك، لست أبغي بك بدلا، ولا عنك معدلا، كبدها مرآتك، وكبدك مرآتها، ترى مخ ساقها من وراء لحمها وحليها، كما ترى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء، وكما ترى السلك الأبيض في جوف الياقوتة الصافية.
وإن نساءً من الحور العين في خيمة من درة مجوفة، حورُ مقصوراتٌ في الخيام، على كل امرأة منهن سبعون حلة، ليس منها حلة على لون الأخرى، وتعطى سبعين لوناً من الطيب، ليس منهن لون على ريح الآخر، لكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء، موشحة بالدر والياقوت، على كل سرير سبعون فراشاً، على كل فراش أريكة، ولكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها، وسبعون ألف وصيف، مع كل وصيف صحفة من ذهب، فيها لون من طعام، تجد لآخر لقمة لذة ما لا تجد لأوله، وتُعطى يا زوجها مثل ذلك، على سرير من ياقوت أحمر، عليك سواران من ذهب، موشح بياقوت أحمر، هذا بكل يوم صمتَه من شهر رمضان، سوى ما عملتَ من الحسنات.
غنـاء الحـور العيـن
فتأمل -يا ولي الله- ما أنت فيه من النعيم العظيم العميم، من سماع صوتها الذي لا مثيل له في الوجود، و لا نظير له في الخلود، فما أروع صوتها، و ما أجمل طربها. فأنت تستمع لغناء الحور العين عند باب الجنة، فهن يتلقين أزواجهن عند أبواب الجنة، فيقلن: طالما انتظرناكم، فنحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، ونحن الخالدات فلا نموت، بأحسن أصوات سُمِعَتْ، وتقول: أنت حبي وأنا حبك، ليس دونك تقصير، ولا وراءك معدل.
فإذا ما دخلتَ قصرك، استمعتَ إلى غناء الحور العين، ففي الجنة مجتمع للحور العين، يرفعن بأصوات لم تَسمع الخلائق بمثلها، ويقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له. وتَستمتع بلذة السماع عند الأنهار وأنتَ تأكل وتشرب، ففي الجنة نهر طوله طول الجنة، حافتاه العذارى، قيام متقابلات، يغنين بأصوات حتى يسمعها الخلائق، ما نرى لذة مثلها، وإنه إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس، وثناء على الرب عز وجل.
ولزوجاتك -يا عبد الله- لقاء أسبوعي للطرب والسماع، يجتمعن في كل سبعة أيام، فيقلن بأصوات حسان لم تسمع الخلائق بمثلهن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، طوبى لمن كان لنا وكنا له.
ولنا في الجنة لقاءات عند بعض الأشجار، تحتها الجواري الحسان، يغنين بأصوات متعددة، وألحان متنوعة. منها أن في الجنة شجر حمله اللؤلؤ والزبرجد، وتحته جوار ناهدات، يتغنين بألوان، يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الخالدات فلا نموت، فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضاً، فأجبن الجواري، فلا ندري أأصوات الجواري أحسن أم أصوات الشجر. يا الله!! ويمتد أثر صوت الحوراء الجميل إلى أشجار الجنة، حتى إن الأشجار لَتُزهر وتُورِد من تسبيح الحوراء، بل إذا سبَّحتِ المرأة من الحور العين لم يبق في الجنة شجرة إلا وَرَدَّت.
وإذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين الذين كانوا يُنَزِّهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان؟ أسكنوهم رياض المسك، أسمعوهم تمجيدي وتحميدي. ويأمر بمنبر رفيع، فيوضع في الجنة، ثم ينادي: يا داود مجدني بذلك الصوت الرخيم الحسن الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا، فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنان. ويقول الله عز وجل للملائكة: أن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا، فيدَعونه من أجلي، فأَسْمِعوا عبادي، فيأخذوا بأصوات من تهليل وتسبيح وتكبير، لم يسمعوا بمثله قط.
وفي الجنة شجرة، ثمرها زبرجد وياقوت ولؤلؤ، فيبعث الله ريحا فتُصفِّق، فتُسمَع لها أصوات لم يُسمَع ألذ منها. وفيها آجام من قصب من ذهب، حملها اللؤلؤ، فإذا اشتهى أهل الجنة أن يَسمَعوا صوتا حسنا بعث الله على تلك الآجام ريحا، فتأتيهم بكل صوت يشتهونه.
ولنا سماع أعلى من هذا، يضمحل دونه كل سماع، وذلك حين نسمع كلام الرب جل جلاله، وخطابه وسلامه علينا، ومحاضرته لنا، يقرأ علينا كلامه، فإذا سمعناه منه فكأننا لم نسمعه من قبل، تلذ به آذاننا، وتقر به أعيننا، إذ ليس في الجنة لذة أعظم من النظر إلى وجه الرب تبارك تعالى، وسماع كلامه منه، ولا نعطى في الجنة شيئا أحب إلينا من ذلك، حيث ندخل كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله، فيقرأ علينا القرآن، وقد جلس كل امرئ منا مجلسه الذي هو له، على منابر الدر، والياقوت والزبرجد، والذهب والزمرد، فلم تقر أعيننا بشيء أجمل منه، ولم نسمع شيئا قط أعظم ولا أحسن منه، ثم ننصرف إلى رحالنا ناعمين، قريرة أعيننا إلى مثلها من الغد.
دلال الحـور العــين
وبينما أنت يا ولي الله في الجنة مع زوجتك من الحور العين، على سرر من ياقوت أحمر، وعليك قبة من نور، فتقول لها: قد اشتقت إلى مشيتك، فتنزل من سرير الياقوت الأحمر إلى روضة مرجان أخضر، فيُنشئ الله عز وجل لها في تلك الروضة طريقين من نور، أحدهما نبت الزعفران، والآخر نبت الكافور، فتمشي في نبت الزعفران، وترجع في نبت الكافور، وتمشي بسبعين ألف لون من الغنج. وتضحك في وجهك، فيسطع نور من بين ثناياها يملأ الجنة.
جمـاع الحــور العــين
وتلقى امرأةً أجمل من القمر، جمعتْ لك كل دواعي الجماع، ومع هذا تُعطَى قوة مائة رجل في الجماع. وكما أن الحوراء طاهرة مطهرة، فأنتَ أيضا طاهر مطهَّر، لا تلحقك الأمراض، ولا تنزل عليك المصائب، ولا يلحقك ضعف ولا انحلال قوة، ولو جامعتها مليار مرة. إنه وطء التلذذ، ومتعة ونعيم، لا آفة فيه بوجه من الوجوه، شهوتك دفعاً دفعاً، لا تنقطع أبداً، ولا مني ولا موت، ولا جنابة ولا ملل، وهذه المتعة شغلك الشاغل، وهذه الشهوة عملك الدائم، مع غيره من الشهوات والنعيم المقيم، (إن أصحاب الجنة اليوم في شغلٍ فاكهون، هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون). فشغلهم الشاغل افتضاض الأبكار.
وكيف لا تُشغَل عن الغموم والهموم، والكروب والمصائب، وعذاب أهل النار، وما هم فيه من عقاب أليم، وقد أُعطيتَ كل وسائل الترف والتمتع، ومُنع عنك أبدياً كل آفة ونقص وشقاء، وملل وتعب، وكيف لا تُشغَل بوطء الحور العين، وقد اجتمع فيك كل ما يدعو إلى هذه المتعة: من راحة الصدر، وسلامة القلب، وهدوء البال، وقوة البدن، وطول الجسد، مع قوة مائة رجل في الجماع، وشهوتك تجري في جسدك سبعين عاماً. فتطأها دحماً دحماً، وإذا قُمتَ عنها رجعتْ مطهرة بكراً.
وكيف لا تُشغَل بلذة جماع الحوراء وهي من هي في جمالها؟ وهي من هي في حسنها؟ لو أخرجت كفها على الدنيا لأفتتن الخلائق بحسنها، ولو ظهرتْ أدنى لؤلؤة من اللؤلؤ الذي عليها لأضاءتْ ما بين المشرق والمغرب، ولو اطلعتْ إلى الأرض لملأَتْها ريحاً، وترى بياض ساقها من وراء سبعين حلة، إنها الحوراء العيناء، البيضاء الحسناء.
وكيف لا تُشغَل الحوراء بك وأنتَ على جمال يوسف، أمرد أكحل، لا يفنى شبابك، ولا تبلى ثيابك، على قلب أيوب، وعلى طول آدم، ستون ذراعاً في السماء، ابن ثلاث وثلاثين عاما. تعود إليك الحور مطهرة من الجنابة، مطهرة من النجاسة، مطهرة من الحدث الأصغر والأكبر، مطهرة من البول والغائط، مطهرة من الحيض والنفاس، مطهرة من المني والمذي والودي، مطهرة من التفل والبصاق والنخامة، مطهرة من النظر إلى غيرك، مطهرة من الفحش والتفحش، والبذاء واللعن والسّب، مطهرة من الأخلاق السيئة، والصفات المذمومة، ومطهرة من كل أذى وقذر.
وأكمل الناس في هذه اللذة أصونهم لنفسه في الدنيا، عن الزنا و اللواط، والمعانقة والتقبيل، والمس والمصافحة، والنظر إلى الحرام، فكما أن من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن أكل في صحاف الذهب والفضة في الدنيا لم يأكل فيها في الآخرة، فهي للكفار في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة. فكذلك من لم يصن نفسه في الدنيا عن الزنا ومقدماته يُحرَم أن يكون كمن عفّ واستعفَّ، وصان نفسه وزكاها. فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون، ومن استوفاها هنا حُرِمَها هناك، أو نقص كمالها، فلا يجعل الله لذة من وقع في معاصيه، كلذة من ترك شهوته لله أبداً.
والذي بعث نبيه بالحق، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم. حيث تدخل -يا عبد الله- على اثنتين وسبعين زوجة مما يُنشئ الله، واثنتين من ولد آدم، لهما فضل على من أنشأ الله، لعبادتهما الله عز وجل في الدنيا. تدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب، مكلل باللؤلؤ، عليه سبعون زوجاً من سندس وإستبرق، فتضع يدك بين كتفيها، ثم تنظر إلى يدك من صدرها، ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها، وتنظر إلى وجهك في خدها، أصفى من المرآة، وإنك لتنظر إلى مخ ساقها، كما تنظر إلى السلك في قصبة الياقوت، كبدك لها مرآة، وكبدها لك مرآة.
فبينما أنت عندها لا تملها ولا تملك، ولا تأتيها مرة إلا وجدتها عذراء، لا يفتر ذكرك، ولا يشتكي قُبُلها، فتناديك: إنا قد عرفنا أنك لا تَمَلُّ ولا تُمَل، إلا أنه لا مني ولا منية، إلا أن تكون لك أزواج غيرها، فتخرج إليهن، فتأتيهن واحدة واحدة، كلما جاءتْ واحدة قالت: والله ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك.
وهل أتاك نبأ شهوتك يا ولي الله، إن شهوتك لتجري في جسدك سبعين عاماً، تجد اللذة، ولا يلحقك بذلك الجنابة، ولا ضعف، ولا انحلال قوة، ولا يلحقك تعب ولا مشقة، بل وطؤك وطء التلذذ، ونعيم لا آفة فيه. وهل أتاك أن شهوتك عند اللقاء بحبيبتك لا تنقطع أبداً، فتجامع بذَكَرٍ لا يمل، وشهوة لا تنقطع، دحماً دحماً، بلا مني ولا منية؛ أي لا إنزال ولا موت.
فيا حسن مواقعتها وملاطفتها عند الجماع، ويا حسن عشقها وطاعتها لزوجها، ويا حسن صورتها وعشرتها لحبيبها، ويا حلاوة حبها وغنجها لبعلها، لِمَ لا، ونحن نعلم أن هذا غاية ما نطلب من النساء، وبه تكتمل لذتنا بهن. فالعجب العجاب لو ترى عيناك الحوراء المشحونة بأسرار لا تستطيع لها إحاطة، ولو حاولت تفسيراً لها لما استطعت، ومن هذا أنك بعد أن تجامعها تعود بكراً.
ســرر الجـنـــة
وذلك أنك -يا ولي الله- في الجنة على سرير، والسرير ارتفاعه خمسمائة عام، والسرير من ياقوت أحمر، منسوج بقضبان الذهب، مشتبكة بالدر والياقوت والزبرجد، له جناحان من زمرد أخضر. وعلى السرير سبعون فراشا، حشوها النور، وظواهرها السندس، وبطائنها من إستبرق، ولو دُلِّيَ أعلاها فراشا ما وصل إلى آخرها مقدار أربعين عاما.
وسريرك في الجنة يا عبد الله كما بين مكة وأيلة، طوله في السماء مائة ذراع، إذا أردتَ أن تجلس عليه تواضع لك حتى تجلس عليه، فإذا جلستَ عليه ارتفع إلى مكانه.
أرائـك الـجنــــة
وعلى السرير أريكة من لؤلؤة، عليها سبعون سترا من نور، وذلك قوله عز وجل: (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون)؛ أي في ظلال الأشجار على الأرائك متكئون على السرر. وبينما أنت معانقها، لا تمل منك ولا تمل منها، والمعانقة أربعين عاما، ترفع رأسك، فإذا أنتَ بأخرى متطلعة تناديك: يا ولي الله، أما لنا فيك من دَوْلَة؟ فتقول: حبيبتي من أنتِ؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله فيهن (ولدينا مزيد)، فيطير سريرك، أو كرسيك الذهب، وله جناحان، فإذا رأيتَها وجدتَّها تضعف على الأولى بمائة ألف جزء من النور، فتعانقها مقدار أربعين عاما، لا تمل منك ولا تمل منها، فإذا رفعتَ رأسك رأيتَ نورا ساطعا في دارك، فتعجب، فتقول: سبحان الله! أملك كريم زارنا؟ أم ربنا أشرف علينا؟ فيقول الملك وهو على كرسي من نور، وبينه وبين الملك سبعون عاما، والملك في حجبته في الملائكة: لم يزرك ملك، ولم يشرف عليك ربك عز وجل، فتقول: ما هذا النور؟
نســاء الدنيــــا
فيقول الملك: إنها زوجتك الدنيوية، وهي معك في الجنة، وإنها اطلعتْ عليك فرأتك معانقا لهذه فتبسمتْ، فهذا النور الساطع الذي تراه في دارك هو نور ثناياها، فترفع رأسك إليها، فتقول لك: يا ولي الله، أما لنا فيك من دَوْلَة؟ فتقول: حبيبتي من أنت؟ فتقول لك: يا ولي الله، أما أنا فمن اللواتي قال الله عز وجل فيهن: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)، فيطير سريرك إليها، فإذا لقيتَها وجدتَّها تضعف عن هذه الأخرى بمائة ألف جزء من النور، لأن هذه صامت وصلت وعبدتِ الله عز وجل، فهي إذا دخلتِ الجنة أفضل من نساء الجنة، لأن أولئك أُنبِتن نباتا، فتعانق هذه مقدار أربعين عاما، لا تمل منك ولا تمل منها، ثم إنها تقوم بين يديك وخلاخلها من ياقوت، فإذا وطئتها سمعتَ من خلاخلها صفير كل طير في الجنة، وإذا مسستَ كفها كان ألين من المخ، وتشم من كفها رائحة طيب الجنة، وعليها سبعون حلة من نور، لو نُشِرَ الرداء منها لأضاء ما بين المشرق والمغرب، خلقتْ من نور، والحلل أرق من نسج العنكبوت، وهو أخف عليها من النقش، وإنك لترى مخ ساقها، من صفائها ورقتها، من وراء العظم واللحم والجلد والحلل، مكتوب على ذراعها اليمين بالنور (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن).
فالمؤمنات يتفوقن على الحور العين في الجمال، ويتفوقن عليهن في الحسن، ويتفوقن عليهن في الأخلاق، ويتفوقن عليهن في حسن التبعل للأزواج، ويتفوقن عليهن في كلمات العشق والحب والغرام، ويتفوقن عليهن في جمال الصوت، وحلاوة النغمات، ويتفوقن عليهن في النور والضياء، ويتفوقن عليهن في الحلل والأساور، والتيجان والكساء، ويتفوقن عليهن في الولدان والوصائف، بل إن الحوراء العيناء خادمة للمؤمنات، وحبيبها وزوجها أشد شغلاً بها من الحوراء.
(وحورٌ عينٌ)، حور بيض، ضخام العيون، شقر، الحوراء بمنزلة جناح النسر، (كأمثال اللؤلؤ المكنون)، صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي، (كأنهن بيض مكنون)، رقتهن كرقة الجلد الذي رأيته في داخل البيضة مما يلي القشر، وهو الغرقىء، (عرباً أتراباً)، هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصاً شمطاً، خلقهن الله بعد الكبر، فجعلهن عذارى، عرباً متخشعات مستحببات، أتراباً على ميلاد واحد، فنساء الدنيا أفضل من الحور العين، كفضل الظهارة على البطانة، وذلك بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن لله تعالى، ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، وطوبى لمن كنا له وكان لنا.
وإن الحور العين إذا قلن: نحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، ونحن خَيْرات حسان، حبيبات لأزواج كرام. أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا: نحن المصليات وما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضئات وما توضأتن، ونحن المتصدقات وما تصدقتن، فيغلبنهن. وإن الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف.
والمؤمنة إذا تزوجتْ أكثر من واحد في الدنيا فإنها تُخيَّر، فتختار أحسنهم خُلُقاً، فتقول: أي رب، إن هذا كان أحسنهم معي خلقاً في دار الدنيا فزوجنيه، فتتزوجه، فقد ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة.
تبـادل الحـــب
مكتوب على كبدها بالنور: {حبيبي أنا لك، لا أريد بك بدلا}، فكبدها مرآته، وهي على صفاء الياقوت، وحسن المرجان، وبياض البيض المكنون، عربا أترابا، عاشقات لأزواجهن، بنات خمس وعشرين سنة، لو ضحكتْ لأضاء نور ثناياها الجنة، ولو سَمع الخلائق منطقها لافتتن كل بر وفاجر، فهي قائمة بين يديه، فساقها يضعف على قدميها بمائة ألف جزء من النور، وفخذها يضعف على ساقها بمائة ألف جزء من النور، وعجزها يضعف على فخذها بمائة ألف جزء من النور، وبطنها يضعف على عجزها بمائة ألف جزء من النور، وصدرها يضعف على بطنها بمائة ألف جزء من النور، ووجهها يضعف على نحرها بمائة ألف جزء من النور، ولو تفلتْ في بحار الدنيا لعذبتْ كلها، ولو اطلعتْ من سقف بيتها إلى الدنيا لأخفى نورها نور الشمس والقمر، عليها تاج من ياقوت أحمر، مكلل بالدر والمرجان، وعلى يمينها مائة ألف قرن من قرون شعرها.
ضفـائـر الجمــال
وتلك القرون: قرن من نور، وقرن من ياقوت، وقرن من لؤلؤ، وقرن من زبرجد، وقرن من مرجان، وقرن من در، مكلل بالزمرد الأخضر والأحمر، مفضض بألوان الجوهر، موشح بألوان الرياحين، ليس في الجنة طيب إلا وهو تحت شعرها، الواحدة تضيء مسيرة أربعين عاما، وعلى يسارها مثل ذلك، وعلى مؤخرها مائة ألف ذؤابة من ذوائب شعرها، فتلك القرون والذوائب إلى نحرها، ثم تتدلى إلى عجزتها، ثم تتدلى إلى قدميها حتى تجره بالمسك، وعن يمينها مائة ألف وصيفة، كل وصيفة آخذة بذؤابة من ذوائب شعرها.
وصائـف الـجنـــة
ومن بين يديها مائة ألف وصيفة، معهن مجامر من در، فيها بخور من غير نار، ويذهب ريحه في الجنة مسيرة مائة عام، حولها ولدان مخلدون، وشباب لا يموتون، كأنهم اللؤلؤ المنثور كثرة، فهي قائمة بين يديك يا ولي الله، ترى إعجابك وسرورك بها، وهي مسرورة عاشقة لك، فتقول لك: يا ولي الله، لتزدادن غبطة وسرورا، فتمشي بين يديك بمائة ألف لون من المشي، في كل مشية تتجلى في سبعين حلة من النور، والماشطة معها، فإذا مشت تتمايل وتنعطف، وتتكاسر وتدور، وتبتهج بذلك وتبتسم، فإذا مالت مالت القرون من الشعر معها، ومالت الذوائب معها، ومالت الوصائف معها، فإذا دارت درن معها، وإذا أقبلت أقبلن معها، خلقها الرحمن تبارك وتعالى خِلْقَةً إذا أقبلت فهي مُقبِلة، وإذا وَلَّتْ فهي مقبلة الوجه، لا تفارق وجهك، ولا تغيب عنك، وترى كل شيء منها.
وإذا جلستْ بعد مائة ألف لون من المشي، خرجتْ عجزتها من السرير، وتدلتْ قرونها وذوائبها، فتضطرب يا عبد الله، ولولا أن الله سبحانه وتعالى قضى أن لا موت فيها لَمُتَّ طربا، ولولا أن الله تبارك وتعالى قدَّرها لك، ما استطعتَ أن تنظر إليها، مخافة أن يذهب بصرك، فتقول لك: يا ولي الله، تمتَّع فلا موت فيها.
ضيافـة الله
وإذا سكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هبط ربنا الجليل جل جلاله، بلا تكييف ولا تمثيل، يتعالى ربنا عن ذلك، إلى مرج أفيح، فمُدَّ بينه وبين خلقه حجابا من لؤلؤ، وحجابا من نور، ثم وُضِعَتْ منابر النور، وسرر النور، وكراسي النور، ثم أُذِن لرجل كريم على الله عز وجل، بين يديه أمثال من النور، يسمع دوي تسبيح الملائكة معه، وصفْقَ أجنحتهم، فمَدَّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أَذِن له الله عز وجل؟ فقيل: هذا المجبول بيده، والمعلَّم الأسماء، والذي أُمرتِ الملائكة فسجدتْ له، والذي أبيحتْ له الجنة، آدم (صلى الله عليه وسلم)، أَذن له الله عز وجل. ثم أُذِن لرجل آخر على الله عز وجل، بين يديه أمثال الجبال من النور، يسمع تسبيح الملائكة معه، وصفْق أجنحتهم، فمَدَّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي أَذن له الله عز وجل؟ فقيل: هذا الذي اتخذه الله خليلا، وجعل النار عليه بردا وسلاما، إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قد أَذِن له الله عز وجل. ثم أُذِن إلى رجل آخر على الله عز وجل، بين يديه أمثال الجبال من النور، يسمع تسبيح الملائكة معه، وصفْق أجنحتهم، فمَدَّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أُذن له على الله عز وجل؟ فقيل: هذا الذي اصطفاه الله عز وجل برسالته، وقربه نجيا، وكلمه تكليما، موسى عليه الصلاة والسلام، قد أُذِن له على الله عز وجل. ثم أُذِن لرجل آخر، معه مثل جميع مواكب النبيين قبله، بين يديه أمثال الجبال من النور، ويسمع دوي تسبيح الملائكة، وصفْق أجنحتهم، فقيل: من هذا الذي قد أُذِن له على الله عز وجل؟ فقيل: هذا أول شافع وأول مشفَّع، وسيّد ولد آدم، من تنشق عنه الأرض، وصاحب لواء الحمد؛ أحمد (صلى الله عليه وسلم)، قد أُذِن له على الله عز وجل. فجلس النبيون على منابر النور، والصديقون على سرر النور، والشهداء على كراسي النور، وجلس سائر الناس على كثبان من المسك الأبيض الأذفر.
وفـــد الله
ثم ناداهم الرب جل جلاله من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، يا ملائكتي، انهضوا إلى عبادي فأطعموهم، فقَرَّبتِ الملائكة إليهم لحم طير كأنها البخت، لا ريش معها ولا عظم، فأكلوا. ثم ناداهم الرب جل جلاله من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا، اسقوهم يا ملائكتي، فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المنثور، بأباريق الذهب، بأشربة مختلفة، تجد لذة آخرها كلذة أولها، (لا يصدعون عنها ولا ينزفون). ثم ناداهم الرب تبارك وتعالى من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا، فَكِّهوهم، فقُرِّبتْ إليهم أطباق مكللة بالياقوت، من الرطب الجني، الذي أسماه الله، أشد بياضا من اللبن، وأطيب من عذوبة الشهد، فطعموا وشربوا وفكهوا. ثم ناداهم الرب جل جلاله من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا وفكهوا، اكسوهم.
كرامـة الله لعبـــــاده
فَفُتحتْ لهم أشجار الجنة بحلل مصفوفة بنور الرحمن، فأُلبسوا. ثم ناداهم الرب من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا، طيبوهم، فهاجت عليهم ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة، بأنابيب المسك الأبيض الأذفر، فنضحت على وجوههم من غير غبار ولا قتار. ثم يناديهم الرب تبارك وتعالى من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا وطيبوا، وعزتي وجلالي لأتجلين لهم حتى ينظروا إلي، فذلك منتهى العطايا، وفضل المزيد، فيتجلى الرب تبارك وتعالى، فيقول: السلام عليكم عبادي، انظروا إلي، فقد رضيت عنكم، فتداعت قصور الجنة وأشجارها واهتزت، تقول: سبحانك، أربع مرات، وخر القوم سجدا، فناداهم الرب عز وجل: ارفعوا رؤوسكم، فإنها ليست بدار عمل، ولا بدار نصب، وإنما هي دار جزاء ودار ثواب، وعزتي وجلالي، ما خلقتها إلا لأجلكم، وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا إلا ذكرتكم فوق عرشي.
فالمؤمنون أرواحهم في جوف طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، تَرِدُ أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، وقد وَجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم، فينادي فيهم منادٍ: أن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وأن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وأن لكم أن تشبوا ولا تهرموا، وأن لكم أن تنعموا ولا تبأسوا، فذلك قوله عز وجل: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون).
:sdesdse: