الخطاطة السردية Le shéma narratif

نص الانطلاق :

عندما غادر التهامي المكتب الجهوي للقرض الفلاحي حاملا كمية من المال تكفيه للتغلب على مشاكل الحرث لهذه السنة أحس أن هناك من يتعقبه . وعندما انتهى إلى الطريق الطويلة تيقن أنه تماما في خطر ، وأن ****ه لن يستطيع الإفلات من هؤلاء الذين يترصدونه عن بعد ، فهم يحافظون على مسافة معينة يتركونها بينهم وبينه ، إذ كلما توقف عن السير للتعرف عليهم كانوا يتوقفون هم أيضا . ولذا أخذ يفكر في طريقة تنجيه من هؤلاء اللصوص، خاصة وأن الليل سيداهمه وهو ما يزال في الطريق. وانتهى به التفكير إلى المبيت عند أحد يعرفه ، وفعلا اتجه إلى الجيلالي يعرض عليه مشكلته ويطلب منه أن يقضي ليلته عنده . ورحب الجيلالي به وفي نيته أن يفوز بالمال لنفسه . وعندما تقدم الليل أقفل الباب على التهامي ، وخرج ليبعد ال**** عن المنطقة حتى لا يترك أثرا لجريمته . ولما شاهد اللصوص رجلا يمتطي ****ا ويغادر مسكن الجيلالي اعتقدوا أنه صاحبهم ، فما أن ابتعد قليلا عن البيت حتى أقبلوا نحوه ، وقتلوه . وفي الصباح كان التهامي يقطع المسافة التي ستوصله إلى حقله ، وهو في مأمن من كل لص ..

محمد ابراهيم بوعلو ، 50 أقصوصة في دقيقة .
الصفحة 142 من كتاب التلميذ

إذا تأملنا نص الانطلاق سنجد أنه يتألف من مجموعة من العناصر ( مواد خام ) هي :
– الأحداث : مغادرة التهامي لمكتب القرض الفلاحي ومعه كمية من المال ، إحساسه بتعقب اللصوص له وتأكده من الخطر الذي يحدق به ، اهتداؤه إلى فكرة المبيت عند الجيلالي ، محاولة الجيلالي الغدر به ، ومقتله على يد اللصوص ..
– الشخصيات : التهامي والجيلالي واللصوص
– الفضاء :
المكان : مكتب القرض الفلاحي ، الطريق ، بيت الجيلالي ، الحقل .
الزمان : النهار ، المساء ، الليل ، الصباح .
إذا نظرنا إلى كل حدث على حده ، وأخذناه بمعزل عن باقي الأحداث يغدو دون قيمة إذ لا يعني شيئا ..
كذلك إذا نظرنا إلى الأحداث حتى في ترابطها بمعزل عن الشخصيات ، نجدها لا تعني شيئا ..
وكذلك حين نعزلها عن الفضاء ..
يتبين أن هذه العناصر ليست لها قيمة في حد ذاتها وأنها تستمد هذه القيمة من تعالقها وترابطها في ما بينها ، وهذا التناسق هو ما يجعل منها قصة قابلة للفهم ..
نستنتج أن الجنس السردي يتألف من مستويين :
المتن الحكائي : وهو المادة الخام ( الأحداث ، الشخصيات والفضاء) قبل أن يسردها سارد أي قبل تصنيعها .. وهذا المستوى يشكل مادة لا وجود لها إلا على المستوى النظري ..
المبنى الحكائي : وهو كيفية تنظيم المادة الخام وجعلها قابلة للفهم ( الاستهلاك ) .. ويدخل في هذا المستوى :
- السارد ونوع الرؤية ،
- النمط السردي ( متسلسل ، متداخل ، تناوبي ) ،
- نمط الوصف ، والحوار.
المستوى الثاني هو ما يجعل المستوى الأول مقبولا وقابلا للفهم ، وهو ما يمنح قيمة إلى كل عنصر فيه ، ويتضمن طرائق التعامل مع الخطاطة السردية ، وتدخل ضمنها كل تقنيات السرد ..
الخطاطة السردية إذن هي البناء والشكل الذي يستوعب المادة الخام ..
لنعد إلى نص الانطلاق لمعرفة كيفية انتظام الأحداث والشخصيات والفضاء في نسق يجعل منها قصة قابلة للفهم ..
نلاحظ أن كل شخصية تتحرك ضمن دائرة فعل محددة :
التهامي يريد أن ينجو بماله لذلك يقرر المبيت عند الجيلالي وفي الصباح يمضي إلى حقله ،
الجيلالي ينوي الغدر بالتهامي ويحاول إبعاد ال**** فيقتل على أيدي اللصوص
اللصوص يتربصون بالتهامي ويقتلون الجيلالي عن طريق الخطإ ..
نلاحظ أن أي فعل من أفعال شخصية ما لا يمكن دمجه في دائرة فعل شخصية أخرى لأنه لن ينسجم معها ..
لكن دوائر الأفعال هاته تتفاعل مع بعضها وتنجز نفسها وتتطور من خلل هذا التفاعل المؤطر بأزمنة وأمكنة هي الساحة التي تقع فيها..
لنعد إلى نص الانطلاق ونتابع هذه الأفعال في تفاعلها من البداية إلى النهاية ..
إذا نحن تتبعنا مسار التهامي باعتباره بطل القصة سنجده قد مر بخمس مراحل هي :
- التهامي يغادر مكتب القرض الفلاحي ومعه مال يطمئن به على الحرث ..
إلى حدود هنا ، ليست هناك مشكلة ( - أزمة ) لدى التهامي .
- التهامي يحس بأن أحدا يتعقبه ،
هنا بداية مشكلة ( بداية أزمة ) .
- التهامي يتيقن تماما أنه في خطر عندما انتهى إلى الطريق الطويلة ..
هناك مشكلة ( + أزمة ) لدى التهامي وعليه أن يتخلص منها
- التهامي يقرر المبيت عند الجيلالي
هنا بداية حل المشكلة ( الأزمة ) وإن كان الجيلالي يضمر الغدر بالتهامي ..
- مقتل الجيلالي على أيدي اللصوص وذهاب التهامي آمنا إلى حقله ..
الملاحظ من خلل تتبع مسار التهامي أنه مر بخمس وضعيات يتحكم في ترابطها منطق التتابع السببي والزمني والمنطقي ..
في ا نجد تعريفا بالتهامي من حيث نيته وما يحمل معه وكأنها تجيب عن الأسئلة التالية :
من ؟ = التهامي ..
ماذا ؟ يحمل معه مالا وينوي الحرث ..
أين ؟ = في الطريق إلى الحقل
هذه المرحلة يصطلح عليها بوضعية البداية ( التوازن ا ) .l état initial
في ب نجد حدثا طارئا هو تعقب اللصوص للتهامي يحول وضعية التوازن السابقة إلى بداية اختلال .. وكأنها تجيب عن السؤال التالي :
ماذا طرأ ؟ = تعقب اللصوص للتهامي ..
هذه المرحلة يصطلح عليها بالعنصر المخل ( اختلال التوازن ) . élément perturbateur
في ج نجد التهامي في أزمة عليه الخروج منها وكأنها تجيب عن السؤال :
ماذا ؟ = خطر اللصوص . .هذه المرحلة يصطلح عليها بوضعية الوسط ( اختلال التوازن ) .le noeud
في د نجد التهامي يلجأ إلى المبيت عند الجيلالي كحل للأزمة .. وكأنها تجيب عن السؤال :
ما هو الخيار ؟ = المبيت عند الجيلالي .
هذه المرحلة هي : عنصر الانفراج الممهد للنهاية ( عملية إعادة التوازن )
في ه نجد انصراف التهامي إلى حقله آمنا ، وكأنها تجيب عن السؤال :
ماذا أخيرا ؟ = نجاة التهامي وانصرافه إلى حقله ..
هذه المرحلة هي وضعية النهاية ( التوازن ب ) . وهي التي تختزل محكي النص ومغزاه لأن كل الوضعيات تمهد لها وتصب فيها .
هكذا يمكن رسم الخطاطة إذن :
ا سبب في ب/ب نتيجة ل ا وسبب في ج /ج نتيجة ل ب وسبب في د / د نتيجة ل ج وسبب في ه / ه نتيجة ل د
الأحداث تتعاقب سببيا ، وتتعاقب زمنيا لأن السبب قبل النتيجة ، و منطقيا إذ إن لكل سبب نتيجة ولكل نتيجة سبب..
إن تقسيم الأفعال ( الأحداث ) إلى دوائر وإسناد كل دائرة لشخصية من الشخصيات الثلاث واختيار السرد التعاقبي هو ما أكسب عناصر المتن الحكائي تناغمها الذي بدونه تبقى غير قابلة للفهم والتأويل ..
نستنتج من هذا كله أن لكل نص سردي بما في ذلك القصة القصيرة جدا خطاطته التي بدونها لا يمكن وصفه بالسرد ..