ولد العربي باطما سنة 1947 بالبيضاء وانخرط في وقت مبكر من حياته في العمل الجمعوي، حيث التحق سنة
1964بجمعية المنار الذهبية بالحي المحمدي،وفيها تعرف على
بوجميع، وبعد هذه التجربة التحق سنة 1969 بالمسرح البلدي ضمن فرقة
الطيب الصديقي المسرحية، حيث تعرف على باقي المجموعة التي شكلت فيما بعد
مجموعة ناس الغيوان كعمر السيد وعلال يعلى.
وقد كانت مواهب هؤلاء الشباب
حاسمة في اغناء تلك التجربة خاصة إسهاماتهم بمقاطع غنائية ضمن اللوحات التي
تضمنتها المسرحيات التي أخرجها عليها الطيب الصديقي خاصة
أغاني مسرحية الحراز التي شكلت اللبنة الأولى لإبداعات الفرقة
كالصينية.. الله يامولانا..
لكن طموحات المجموعة وبالضبط
بوجميع والعربي باطما كانت أكبر توافقا مع المتغيرات الوطنية والدولية في
نهاية الستينات إذ سرعان ما انفصلوا عن الفرقة المسرحية
وأسسوا فرقة غنائية، انفصال اعتبره جل النقاد انفصالا عن الوضع العام
وأرضيته... وهي مغامرة غير مجانية.. إنها مغامرة البحث عن الذات
الضائعة لاسيما أن الهدف كان هو التعبير "بشكل إيديولوجي من
خلال الأغنية عن هموم وآلام الشعب المتراكمة على كاهله... فكانت مختلف
الإبداعات صرخة فنية وآهات موسيقية ضد التسلق الطبقي وشبح الرعب والفقر
الزاحف على بسطاء هذه الأرض.
لقد كانت الإنطلاقة الفعلية
للمجموعة سنة 1971 وهي سنة التأسيس، وقتها سمت المجموعة نفسها بالانجليزية
فرقة "الدراويش الجديدة" إضافة إلى اسمها الأصلي ناس
الغيوان.. واشتهرت بلباسها الموحد وآلات العزف التقليدية، وكانت أول
أغنية أدتها المجموعة هي أغنية "قطتي صغيرة" والتي قال عنها الراحل العربي
باطما أن المجموعة غنتها آنذاك لطفل في العاشرة من عمره
تقول الأغنية
قطتي صغيرة واسمها نميرة
شعرها طويل وذيلها قصير
تظهر المرارة كي تصيد فارة
في سنة 1974 رحل بوجميع فجأة في
الظروف المعروفة والتي مازالت مفتوحة على كل التحليلات دون أن تتضح
الصورة، وشكل هذا الحادث المفجع صدمة لأعضاء الفرقة مما دفع
بالعربي باطما إلى محاولة ملء الفراغ الذي حصل بغياب المايسترو.فأصبح
رائدا للمجموعة بل مرجعها النظري والموسيقي من ناحية الكتابة والتلحين.
وقد اعتمد العربي باطما لغة
بسيطة شعبية وألحانا رائعة مستمدة من أصالة التراث الموسيقي المغربي الغني
بمقاماته المختلفة.واستطاع بحنكة متميزة مزج كل هذه الخصائص
الفريدة في صوته الذهبي الذي تميز ب "بحة ذهبية نادرة ومعبرة أتى
كانعكاس لمزيج من الألم والأمل وذلك راجع لأصوله الشعبية البدوية والمعاناة
التي عاشها ضد الفقر والقهر والظلم. لهذا كان صوته أداء رائعا
ومؤطرا لنصوص ومضامين هي بذاتها محملة وفاضحة بتلك المعاني"
ولم تقتصر اهتمامات الراحل
العربي باطما على الإنشغالات الداخلية للشعب المغربي بل تجاوزها إلى
الاهتمامات الخارجية الأخرى خاصة القومية منها وأهمها تطورات القضية
الفلسطينية والمجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني من طرف الكيان
الصهيوني... فمن منا لم تحرك هواجسه وأحاسيسه أغنية صبرا وشاتيلا التي أرخت
للمجزرة البشعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الشعب
الفلسطيني الأعزل سنة 1982 والتي يقول في مطلعها:
الدنيا سكنات
الصهيون دارت مابغات
صبرا وشاتيلا المجزرة الكبيرة
الأطفال دبحات
شيوخ وعيالات
السوايع وقفات
والرواح اتزهقات
لكذوب تمهدات
جبال وويديان
ديور وغابات.
كما كتب ولحن مجموعة أغاني حول الإنتفاضة الفلسطينية التي اندلعت سنة 1987 والتي يقول في مطلع إحداها:
دومي يا انتفاضة دومي
دومي يا انتفاضة دومي
بحجارك دومي بصغارك دومي
بين السما والأرض طيري وحومي
ضد جيوش الاحتلال
ضد أصحاب الفيل
شهادة بالله غيرك مايكون منظومي بحجارة من سجيل رميهم
فليلي ويومي.. شعب الطفولة نجمة ونجومي
فسحابا وغيومي
دومي يا انتفاضة دومي
عالقدس أنغامي
هنايا وهمومي......... دومي يا انتفاضة دومي
ولقد كان العربي باطما مدافعا
صلبا عن مجموعته وتجربتها ورافضا لمختلف النعوتات التي تهدف لتصغير حجمها
كوصفها بالظاهرة أو الموجة العائمة كما كان يوظف حواراته مع
مختلف المنابر الإعلامية لتوضيح هذا الأمر "هذا الأمر إذ كانوا في
الماضي يسمونه بالموجة الغنائية،لكن الموجة تتكسر على صخور الشاطئ ثم قيل
إنها ظاهرة.لكن الظاهرة سرعان ماتذهب وتذبل.والآن وجدنا أنها
الروح الجماعية فالروح تدوم"
وفي أواسط الثمانينات ومع
الإنتقادات التي وجهت لناس الغيوان بكونها أصبحت شبه خالية من روح الإبداع
وأصبحت تكرر نفسها على مساوئ نوعية الأداء واللحن والأصوات،
اتجه إلى التأليف والتمثيل المسرحي والسينمائي حيث أبرز مواهب شتى صفق
لها الجمهور كثيرا، وأثارت استحسان جل النقاذ خاصة في كتابات السيناريوهات
والتمثيل خاصة أدواره المهمة في إنجاح المسلسلات
التلفزية: الناعورة.. جنب البير، العقل والسبورة..... لكن ألم يكن
الفنان العصامي العربي باطما ممثلا قبل أن يصبح مغنيا؟
لكن تبقى أهم أعماله في مجال
الكتابة هي إصداره لروايتين تمثلان سبقا هاما في كتابة الفنانين لسيرهم
الذاتية، وقد صدرت إحداهما في حياته بعنوان "الرحيل" وصدرت
الأخرى بعد وفاته بعنوان "الألم".
والروايتان ترصدان حياة الفنان
عامة في تفاعلها مع الجماعة الموسيقية لناس الغيوان، كما تحكي عن مرارة
الفنان المادية والمعنوية أثناء صراعه المستمر مع المرض
العضال الذي فتك به.
ومما يؤسف له أنه لم تنظم ولو
حفلة تكريم واحدة – حسب علمي – لفناننا سواء في حياته أو بعد مماته. فكيف
ننسى ذاكرتنا بسرعة من استقر فيها وما يزال؟ وكيف نتنكر بكل
سهولة لكل من خدم الثقافة المغربية عامة والفن خاصة وندرك جميعا أن ناس
الغيوان لم يقتصر إشعاعها على بلدنا بل"اجتاحت العالم وشكلت واحدة من أجمل
التيارات الموسيقية العالمية الجديدة التي تحمل في
جعبتها لونا جديدا من الكلمات والأنغا
لذلك وكمحاولة للتكفير عن
تنكرنا لجل رموزنا الفنية والذي يعتبر العربي باطما واحدا منها،كان الأستاذ
إبراهيم ايت حو قد اقترح مجموعة مقترحات كفيلة بإعادة
الاعتبار للفنان العصامي الراحل. لذلك نعيد التذكير بها من جديد عسى أن
تجد طريقها للتنفيذ
العمل على التعريف بتجربة العربي باطما غنائيا ومسرحيا وتمثيليا وكتابيا مع تناول التجربة ضمن إطار ناس الغيوان عامة.
قيام الأندية السينمائية على عرض الأفلام التي مثل فيها هذا الفنان وتناول هذه التجربة نقديا.
الإسراع بإصدار دور النشر لمختلف المخطوطات التي خلفها الفقيد، خاصة القصيدة التي تجاوزت ألف بيت على مايذكر أصدقاؤه.
العمل على جمع أهم وأجود ماكتب الفقيد وإصداره في كتاب