ممارسة الشعوذة بعاشوراء
ظل عاشوراء في المغرب، من أبرز المناسبات لممارسة السحر والشعوذة.
وقد ارتبطت في الأذهان فكرة استغلال هذه المناسبة من طرف
الشوافات وبعض ربات البيوت لصنع العديد من الأعمال السحرية التي يكون الغرض
منها في الأساس الايقاع بالزوج المناسب، “تثقيف” الرجل حتى لا يضاجع امرأة
أخرى، اشعال فتيل الحب بين الزوج وزوجته عن طريق رمي “الشرويطة” بنار
“الشعالة”، و”الشرويطة” تطلق على منديل يحتوي على اثار مضاجعة الزوج
لزوجته… إلى غيرها من الأعمال السحرية التي يكثر الحديث عنها خلال هذه
المناسبة.
لأجل ذلك تشهد بعض الأسواق الشعبية بالمغرب خصوصا سوق
“الجميعة” بمدينة الدار البيضاء رواجا منقطع النظير خلال الأيام التي تسبق
عاشوراء. فيرتفع الطلب على مخ الضبع، زغب الفار، وجلود بعض الحيوانات
كالثعالب، الكلاب، القطط البرية، الضفادع، السلاحف، القنافذ، السحليات،
الثعابين.. إلى غير ذلك من المخلوقات وعشرات الآلاف من الأعشاب والأحجار
والبيض الذي يستعمل في السحر والشعوذة.
فريدة، فتاة في الثلاثينات من عمرها، لم تتزوج بعد، وضجرت من نظرات
الشفقة خصوصا خلال المناسبات العائلية، وسئمت من سماع كلمات من قبيل:
“مسكينة باقية بلا زواج”، “الله يعطيهم العما ما بقاوش يشوفو هاذ الرجال”،
“جري على راسك”… الى غيرها من الكلمات التي أصبحت تجرحها في صميم قلبها.
تقول فريدة التي أصبحت من رواد سوق “الجميعة” بأنها تقصد السوق لشراء كل ما
يلزم لتفك سحرها، وتجد العريس المناسب. وفريدة مقتنعة بأنها ضحية عمل سحر
أسود يصعب معه الزواج بكل يسر وسهولة، فغالبا تقول فريدة ما ينتهي موضوع
الزواج عندها حتى قبل أن يبدأ.
بعض الباعة هنا بسوق “الجميعة” أجمعوا لنا بأن أكثر ما يكثر عليه الطلب
خلال هذه المناسبة، هو مخ الضبع، زغب الأسد والفأر بالاضافة الى بيض الحمام
والعقارب الحية وبعض جلود الحيوانات المفترسة.
وبالرجوع بالذاكرة قليلا إلى الوراء، نجد بأن للمغاربة طقوسا
خاصة بهذه المناسبة، ففي البوادي والأرياف، كانت النساء يعلن استعدادهن
لهذه المناسبة منذ عيد الأضحى، فيأخذن عظم كتف الأضحية ويطلقون عليه اسم
“بابا عيشور” ويمرغونه في الحناء ثم يلبسونه اللباس المغربي التقليدي
ويحتفظن به جانبا.
ويوم عاشوراء، تقوم النساء رفقة الصغار، بحمل نعش “بابا
عيشور” ودفنه بالمقبرة، وسط أهازيج وأغاني ونحيب النساء وبكائهن، وكأنهن في
جنازة حقيقية، وهن يرددن أغاني مثل “عيشوري عيشوري.. عليك دليت شعوري”..
الى غيرها من الأغاني التي تمجد “بابا عيشور” وتبكيه بحرقة.
وليلة عاشوراء، ليلة الاحتفال الكبرى، وتسمى أيضا بليلة
“الشعالة”، يقوم الشباب، بإشعال النيران وسط الأزقة وفي الشوارع، ويقومون
بالقفز فوقها، بينما تقوم النساء بالضرب على الدفوف والطعاريج، وإطلاق
الزغاريد وسط اهازيج تدعو الى الحرية المطلقة خلال هذه الليلة مثل “بابا
عيشور ما علينا الحكام ألالة”.
ولا تمر ليلة شعالة دون استغلال تام من طرف الشوافات والنساء
اللواتي يمارسن الشعوذة، فيقمن بإلقاء أعمال السحر وسط لهيب نيران
“الشعالة”، خصوصا وأنهن يعتقدن أن هذه الاعمال يدوم نفعها طوال السنة. أما
لمن لديها أطفال رضع، فيمنع عليها الخروج خوفا على رضيعها من أن يشتم روائح
السحر مما يعود بالضرر البالغ على صحته وقد يهدد حياته.
ويوم عاشوراء، ويطلق عليه المغاربة يوم “زم زم”، يقوم الشباب والأطفال
برمي الماء على بعضهم البعض وعلى المارة في جو من المرح والضحك، وفي
اعتقادهم، أن خلال هذا اليوم، تصبح كل مياه الأرض ماء زم زم، فيستحمون به،
ويرشونه على بعضهم البعض اعتقادا منهم أن ذلك يجلب الشفاء والبركة.
هكذا إذن هي عاشوراء في جانبها المتعلق بالسحر والشعوذة، وهكذا إذن هي
طقوسها.. لكن السؤال الذي يظل يطرح نفسه بشدة.. ما هو السر في ارتباط
عاشوراء بإتيان أعمال السحر والشعوذة..؟
عن موقع منارة