“مغاربة العالم“.. كفاءات مبهرة تغرد خارج الوطن

“مغاربة العالم“.. كفاءات مبهرة تغرد خارج الوطن 2378527701

الصدوقي: نزيف الأدمغة المهاجرة له عواقب وخيمة

“مغاربة العالم“..كفاءات مبهرة تغرد خارج الوطن

يتألق مئات الشباب المغاربة من
مختلف الفئات العمرية بشكل لافت في دول أوربا وأمريكا ومختلف أصقاع العالم
بعيدا عن بلادهم الأصلي، وذلك في مختلف مناحي الحياة وميادين الإبداع
ومجالات وأنشطة العمل من قبيل الرياضة والكتابة والفنون والعلوم والتقنيات.

وبرزت أسماء العديد من هؤلاء
الشباب في مجالاتهم التي يشتغلون فيها، وحققوا نجاحات باهرة يشهد لهم بها
العالم بأسره بفضل الإنجازات التي بلغوها في بلاد الغربة، فكانوا بمثابة
سفراء حقيقيين للتعريف ببلدهم المغرب وما أنتجه من طاقات وكفاءات هائلة.

بالمقابل، يطرح محللون أكثر من
علامة استفهام حول الدوافع التي تجعل الكثير من الشباب المغربي يراكمون
النجاحات خارج البلاد في حين أنهم عجزوا عن تحقيقها حينما كانوا يعيشون على
أرضها، وهو الوضع الذي يعيد إلى الواجهة السؤال الكبير عن هجرة الأدمغة
والكفاءات المغربية خارج الوطن.

نجوم في العلوم

ولقد صفق العالم كله لبعض
الأسماء المغربية التي أبانت عن كفاءة كبيرة يُضرب بها المثل في مجال
العلوم خاصة، ومن بين هؤلاء عالمة الفلك الشابة (مريم شديد) التي استطاعت
أن تكون أول امرأة في الوطن العربي تطأ أرض القطب الجنوبي المتجمد لترصد
لمعان النجوم في إطار مهمة علمية استكشافية هامة.

وبدأت “مريم شديد” مسيرتها
العلمية في مدينة الدار البيضاء حين تخرجت من إحدى جامعاتها في سنوات
التسعينيات، لكن تفجرت موهبتها وكفاءتها العلمية وظهرت أكثر عندما التحقت
بجامعة نيس الفرنسية، لتتابع هناك دراستها في علوم الفيزياء وتحصل على
شهادة الدكتوراه في علم الصورة في العلوم الكونية، والتي هيأتها في أحد
أكبر المراصد الفلكية في أوروبا.

وحازت مريم على التقدير والإشادة
لكونها اختارت مسارا علميا غير مسبوق بالنسبة لبنات جيلها وللفتيات في
سائر البلدان العربية، كما أن اجتهادها ومثابرتها خولا لها التطور ونيل قصب
السبق في مضمار علوم الفلك.

وتميز شاب مغربي آخر اسمه ( كمال
الودغيري ) بدوره العلمي والهندسي في وكالة الفضاء الأمريكية وإدارة
الطيران “ناسا” حيث كان ضمن الطاقم التقني الذي أشرف على عملية إنزال
المسبارين (سبيريت) و (أوبورتيونيتي) علي سطح كوكب المريخ.

وتمكن “الودغيري” من شق طريق
النجاح والتألق بفضل صبره وعصاميته، لكونه غادر المغرب في سن الثامنة عشر،
وهو لا يحمل معه سوى شهادة ”باكالوريا” وقليلا من المال وزادا لغويا هزيلا
في الإنجليزية، لكن بفضل إصراره ورباطة جأشه والصبر في بلوغ أهدافه التي
سطرها لنفسه، استطاع أن يكون العالم المغربي الوحيد الذي يشتغل في ناسا.

أما العالم المغربي الدكتور (علال
بوتاجنكوت) فقد انبهر العالم قبل أشهر باكتشافه رفقة علماء أمريكيين لأول
لقاح لعلاج داء الزهايمر، وأكمل علال المسيرة ليتحمل المسؤولية لوحده في
تطوير لقاح جديد لهذا الداء المرعب.

الأدب والسياسة

وفي مجال الكتابة والفنون تألقت
أسماء مغربية شابة عديدة في بلدان أوروبا وفي أمريكا، حيث تشتغل المغنية
سعيدة فكري في الولايات المتحدة الأمريكية وتنتج أشرطة غنائية تتطرق إلى
عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية، كما أن طاقات إعلامية
شابة برزت في سماء الإعلام في كثير من المنابر الدولية.

وفي مجال التأليف لفتت الكاتبة
(ليلى العلمي) الانتباه إلى موهبتها وطاقاتها الأدبية، وحازت بعض كتبها
الكثير من المتابعة داخل أمريكا خاصة كتابها الذي تعرضت فيه لظاهرة الهجرة
السرية.

ونالت الكاتبة المغربية (فرح
كناني) الثناء على كتابها الذي أصدرته خصيصا للأطفال الأمريكيين المسلمين
وغيرهم، تفسر فيه بطريقة مبسطة معاني صيام شهر رمضان، فضلا عن مواضيع دينية
أخرى ترتبط بليلة القدر وبالزكاة وغيرهما.

أما في المجال السياسي فقد برز
شباب مغاربة استطاعوا أن يتبوءوا مناصب هامة في بلدان أوروبية، ومن ضمنهم
(أحمد بوطالب) الذي فاجأ الطبقة السياسية في هولندا التي هاجر إليها وهو في
سن الخامسة عشر، واستطاع أن يصل إلى منصب عمدة مدينة روتردام أحد أكبر
المدن الهولندية والتي تتوفر على أنشط الموانئ العالمية.

ويقر بوطالب بأن السر في بلوغه
لهدفه وتبوئه للمنصب الذي يشغله حاليا يكمن في التعليم والإرادة القوية
لتحقيق الأهداف مادامت مشروعة لإبراز قدرات الشباب المغربي في كافة
المجالات خاصة في بلاد المهجر لإعلاء رأس مغاربة العالم عاليا.

كفاءات رياضية

واشتهر الشباب المغربي الذي يعيش
في أوروبا في قطاع الرياضة أكثر من أي مجال آخر، بالنظر إلى الأسماء التي
جابت الآفاق عبر وسائل الإعلام العالمية، ومن بينهم لاعبو كرة القدم الذين
يمارسون في الدوريات الأوروبية؛ أمثال مروان الشماخ ومنير الحمداوي
وإبراهيم أفلاي وغيرهم كثير.

ويوجد أيضا ممارسون في اختصاصات
أخرى مثل الرياضات القتالية والتي سطع فيها نجم العديد من الشباب المغربي
الذين هاجروا صغارا إلى أوروبا، ومن أبرزهم بطل العالم (بدر هاري)، والذي
يعيش في هولندا واستطاع أن يحقق شهرة كاسحة في الرياضة التي يحترفها.

وجابت صور اللاعب المغربي “أفلاي”
وسائل الإعلام العالمية ـ قبل فترة قصيرة ـ وهو يقف بجانب والدته المحجبة
عند توقيعه عقدا للعب في صفوف نادي برشلونة الاسباني الشهير لمدة أربع
سنوات بعد أن مارس في فرق هولندية معروفة.

وأثارت صورة “أفلاي” برفقة أمه
المحتجبة الكثير من تعليقات المحللين التي ذهبت إلى أن اعتزاز اللاعب
المغربي الأصل بوالدته وظهورها بزيها الإسلامي الأصيل سيزيد من شعبية
الفريق في الوطن العربي والإسلامي.

مُصَدّر للأدمغة

ويطرح مراقبون تساؤلات عريضة عن
العوامل التي تجعل من هؤلاء الشباب يفجرون طاقاتهم ومواهبهم ويبرزون
كفاءاتهم الهائلة في بلدان غير بلدهم الأصلي الذي ترعرعوا فيه، وهو ما يحيل
مباشرة إلى الإشكالية التي ما تزال تؤرق بال المسؤولين، ألا وهي هجرة
الأدمغة والكفاءات والتي تستنزف العديد من طاقات الشباب وتحرم البلد من
الاستفادة منها.

ويحتل المغرب ـ بسبب هذه الهجرة
المتوالية ـ الرتبة الثانية في الوطن العربي من حيث تصدير الطاقات
والكفاءات، باعتبار أن الأرقام الإحصائية تتحدث عن أكثر من 200 ألف كفاءة
في شتى التخصصات والمجالات الإبداعية يغادرون البلاد في اتجاه سماوات أخرى
للعيش تحت سقفها وإبراز طاقاتهم هناك..

وحول تفسير تفجر طاقات وكفاءات
الشباب المغربي خارج الوطن وضعف تألقه في الداخل، أفاد الأخصائي التربوي
والنفسي محمد الصدوقي بأن الإنسان هو نفسه في كل مكان، له نفس العقل ونفس
الطاقات والكفاءات الذهنية والقدرات الإبداعية الكامنة، لكن الفرق يكمن في
الشروط الموضوعية المجتمعية والتربوية والتعليمية.

وقال الصدوقي في حديثه لـ “إسلام
أون لاين” إن تلك الشروط من شأنها أن تفجر طاقات الشاب، وأن تصنع وتنمي
وتوظف قدراته وكفاءاته الذهنية والمهارية العليا، والتي تجعله فردا منتجا
ومبدعا ومخترعا، و قادرا على المساهمة في تطوير وتقدم كل مجالات مجتمعه.

أسباب هجرة الكفاءات

وحدد الباحث المغربي أهم الأسباب
التي تجعل شبابنا المغربي والعربي يتميز و يفجر طاقاته وكفاءاته خصوصا خارج
الوطن، سواء بالنسبة للذين يكملون مسارهم الدراسي أو المهني في بلدان
المهجر خاصة الغربية منها، في عوامل عديدة من بينها:

- وجود مؤسسات تعليمية حديثة
وجيدة ومجهزة ببنيات ووسائل تعليمية حديثة، وتعتمد مناهج وبرامج وطرق
تعليمية حديثة وفعالة تركز على الكيف والنوع فيما يخص المضامين والمواد
المُدرسة (العلوم،الرياضيات،الاقتصاد،التكنولوجيا…)، وعلى بناء الكفاءات
والمهارت العقلية العليا، وعلى التشجيع على تفجير طاقات الإبداع والابتكار
والتجديد عوض حشو عقل المتعلمين بمضامين ومواد لا فائدة منها عمليا، وجعله
فقط يجترها ويتذكرها…

- وجود مؤسسات ومختبرات علمية عمومية وخاصة تشجع وتحفز على البحث والابتكار والاختراع.

- وجود سياسات تربوية تعليمية
ومخططات اقتصادية عمومية حقيقية ومواطنة، تشجع العلم والتعلم والتميز
والإبداع والاختراع … وتخصص للتعليم ولمؤسسات البحث العلمي ميزانيات ضخمة،
وتحفز وتكرم الطاقات والكفاءات الوطنية طلابا ومدرسين وعلماء.

- الربط بين الترقية الاجتماعية
وقيم الاجتهاد والابتكار، فكلما كان الفرد منتجا ومجدا ومبدعا إلا و حقق
مسارا مهنيا أرقى وحياة مادية واجتماعية أحسن.

وتابع الصدوقي :هذا ما لا يجده
أغلب شبابنا ( خصوصا أولائك المنتمين اجتماعيا إلى الطبقات الفقيرة
والمتوسطة) في أوطانهم العربية، حيث جل المؤسسات التعليمة والعلمية تقليدية
وبئيسة، والمناهج والبرامج التعليمية العمومية لازالت في أغلبها كذلك
تقليدية تركز على الكم والحشو والذاكرة، وليس على الكيف والخلق والإبداع.

واستطرد المتحدث بأن هذه المقررات
تغلب عليها المواد الدراسية التقليدية التي لا تساير الروح العلمية
والتكنولوجية للعصر، والتي لن تساهم في تنمية وتطوير قدرات وكفاءات الفرد،
وفي التقدم الاقتصادي والمجتمعي.

ضريبة على الهجرة؟

ويبدي العديدون خشيتهم من نتائج
وعواقب هجرة هذه الكفاءات والطاقات إلى خارج البلاد على المجتمع المغربي،
باعتبار أن أكبر نزيف تعاني منه بلداننا العربية ـ بما فيها المغرب ـ هو
نزيف هجرة الأدمغة الذي له عواقب وخيمة لا تُتصور ولا تُحصى، بحسب تعبير
الصدوقي.

ويضيف الأخصائي المغربي أنه
بالرغم من التبريرات التي تُقدم لتفسير سبب هجرة هذه الأدمغة من قبيل غياب
الشروط الموضوعية والتحفيزية للعمل في بلدانها الأصل، فإنه يمكننا أن نتصور
حجم الخسائر التي تكبدها هذه الأدمغة المهاجرة لبلدانها الأصلية، ومدى
مساهمة ذلك في تعميق هوة تخلفنا وتأخرنا الكبير عن باقي البلدان.

وشدد الصدوقي على أن الرأسمال
الحالي الذي تعض عليه الدول المتقدمة بالنواجذ هو الرأسمال البشري، والذي
هو الأساس في كل ثروة قومية، مشيرا إلى أن عواقب هجرة هذه الكفاءات
مزدوجة.

وأضاف قائلا “من جهة، هي خسارة
لتقدم وتنمية بلداننا، ومن جهة أخرى تعتبر خسارة لأطر وأدمغة ثانية كان من
الممكن أن تُكونها تلك الأدمغة المهاجرة وتستفيد من خبراتها من خلال
مؤسساتنا التعليمية والتكوينية والعلمية”.

وأبدى المختص التربوي استغرابه من
كون بلاد تخسر الملايين على تعليم وتكوين مواطنيها، وبعد حصولهم على شواهد
عليا تسمح لهم الهجرة ليستفيد من كفاءاتها الآخرون، ويوظفونها في تنمية
وتقدم قطاعاتهم الإنتاجية والخدماتية.

واقترح الصدوقي فرض ضريبة على
هجرة الأدمغة؛ على المهاجر أولا ليرد على الأقل دين بلده الذي قام بتكوينه
وصرف عليه الملايين، ثم على الدول المستقبلة لهم مقابل استغلالها لكفاءات
حصلت عليها مجانا.

وتابع: غريب أن يقع ذلك مثلا في
المجال الرياضي، حيث يستفيد الفريق من تعويضات على كفاءاته الرياضية
المهاجرة، ولا يحدث هذا الأمر بالنسبة لهجرة الأدمغة، و في مجال خطير وحيوي
بالنسبة لمستقبل الأمم.

منقول عن موقع إسلام أولاين