أدولف هتلر في طفولته
كلارا والدة هتلر
ولد أدولف هتلر في 20 أبريل 1889 في برونو بالإمبراطورية النمساوية المجرية.[3] كان هتلر الابن الرابع من أصل ستة أبناء أما والده فهو ألويس هتلر (1837 - 1903) الذي كان يعمل موظفًا في الجمارك وكانت والدته كلارا هتلر (1860 - 1907) هي الزوجة الثالثة لوالده, ونظرًا لأن الهوية الحقيقة لوالد ألويس شكلت سرًا غامضًا في تاريخ الرايخ الثالث، كان من المستحيل تحديد العلاقة البيولوجية الحقيقية التي كانت تربط بين ألويس وكلارا؛ وهو الأمر الذي استدعى حصولهما على إعفاء بابوي لإتمام زواجهما. ومن بين الأبناء الستة وهم ثمرة زواج ألويس وكلارا لم يصل إلى مرحلة المراهقة سوى أدولف وشقيقته باولا التي كانت أصغر منه بسبع سنوات. وكان لألويس ابن آخر اسمه ألويس هتلر الابن وابنة اسمها انجيلا من زوجته الثانية.[4]
عاش هتلر طفولة مضطربة حيث كان أبوه عنيفًا في معاملته له ولأمه حتى إن هتلر نفسه صرح إنه في صباه كان يتعرض عادة للضرب من قبل أبيه. وبعدها بسنوات تحدث هتلر إلى مدير أعماله قائلاً: "عقدت - حينئذ - العزم على ألا أبكي مرة أخرى عندما ينهال علي والدي بالسوط. وبعد ذلك بأيام سنحت لي الفرصة كي أضع إرادتي موضع الاختبار. أما والدتي فقد وقفت في رعب تحتمي وراء الباب. أما أنا فأخذت أحصي في صمت عدد الضربات التي كانت تنهال علي مؤخرتي." [5] ويعتقد المؤرخون أن تاريخ العنف العائلي الذي مارسه والد هتلر ضد والدته قد تمت الإشارة إليه في جزء من أجزاء كتابه كفاحي والذي وصف فيه هتلر وصفًا تفصيليًا واقعة عنف عائلي ارتكبها أحد الأزواج ضد زوجته. وتفسر هذه الواقعة بالإضافة إلى وقائع الضرب التي كان يقوم بها والده ضده سبب الارتباط العاطفي العميق بين هتلر ووالدته في الوقت الذي كان يشعر فيه بالاستياء الشديد من والده.
غالبًا ما كانت أسرة هتلر تنتقل من مكان لآخر حيث انتقلت من برونو آم إن إلى مدينة باسساو ومدينة لامباتش ومدينة ليوندينج بالقرب من مدينة لينز. وكان هتلر الطفل طالبًا متفوقًا في مدرسته الابتدائية، ولكنه رسب في الصف السادس، وهي سنته الأولى في Realschule (المدرسة الثانوية) عندما كان يعيش في لينز وكان عليه أن يعيد هذه السنة الدراسية. وقال معلموه عنه إنه "لا يرغب في العمل". ولمدة عام واحد كان هتلر في نفس الصف الدراسي مع لودفيج فيتجنشتاين ؛ الذي يعتبر واحدًا من أكثر الفلاسفة تأثيرًا في القرن العشرين.[6][7][8][9] وبالرغم من أن الولدين كانا في العمر نفسه تقريبًا، فقد كان فيتجنشتاين يسبق هتلر بصفين دراسيين.[10] ولم يتم التأكد من معرفة هتلر وفيتجنشتاين لبعضهما في ذلك الوقت، وكذلك من تذكر أحدهما للآخر.[11]
صرح هتلر معقباً على هذا أن تعثره التعليمي كان نابعًا من تمرده على أبيه الذي أراده أن يحذو حذوه ويكون موظفًا بالجمارك على الرغم من رغبة هتلر في أن يكون رسامًا. ويدعم هذا التفسير الذي قدمه هتلر ذلك الوصف الذي وصف به نفسه بعد ذلك بأنه فنان أساء من حوله فهمه. وبعد وفاة ألويس في الثالث من شهر يناير في عام 1903، لم يتحسن مستوى هتلر الدراسي. بل ترك هتلر المدرسة الثانوية في سن السادسة عشرة دون الحصول على شهادته.
وفي كتابه كفاحي أرجع هتلر تحوله إلى الإيمان بالقومية الألمانية إلى سنوات المراهقة الأولى التي قرأ فيها كتاب من كتب والده عن الحرب الفرنسية البروسية والذي جعله يتساءل حول الأسباب التي جعلت والده وغيره من الألمان ذوي الأصول النمساوية يفشلون في الدفاع عن ألمانيا أثناء الحرب.[12]
[عدل]
النسب والأصول
كان والد هتلر - ألويس هتلر - مولوداً غير شرعي. وخلال السنوات التسع والثلاثين الأولى من عمره، حمل ألويس لقب عائلة والدته وهو تشيكلجروبر.
وفي عام 1876، حمل ألويس لقب زوج والدته يوهان جورج هيدلر. وكان يمكن كتابة الاسم بأكثر من طريقة كالآتي: Hiedler وHuetler وHuettler وHitler، وربما قد قام أحد الموظفين بتوحيد صيغته إلى Hitler. وقد يكون الاسم مشتقًا من "الشخص الذي يعيش في كوخ" (ألمانية فصحى: Hütte) أو من "الراعي" (ألمانية فصحى: hüten = يحرس) والذي تعني في الإنجليزية ينتبه أو قد يكون مشتقًا من الكلمة السلافية Hidlar وHidlarcek. (وفيما يتعلق بالنظريتين الأولى والثانية، فإن بعض اللهجات الألمانية قد يمكنها التمييز إلى درجة بسيطة أو لا يمكنها التمييز بين الصوتين ü- وi- عند النطق.
وقد استغلت الدعاية الخاصة بقوات الحلفاء اسم العائلة الأصلى لهتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، فكانت طائراتهم تقوم بعملية إنزال جوي على المدن الألمانية لمنشورات تحمل عبارة "Heil Schicklgruber" تذكيرًا للألمان بنسب زعيمهم. وبالرغم من أن هتلر كان قد ولد وهو يحمل اسم هتلر قانونيًا، فإنه قد ارتبط أيضًا باسم هيدلر عن طريق جده لأمه يوحنا هيدلر.
أما الاسم "أدولف" فهو مشتق من الألمانية القديمة ويعني "الذئب النبيل" (ويتكون الاسم منِ Adel التي تعني النبالة، بالإضافة إلى كلمة ذئب). وهكذا، كان واحدًا من الألقاب التي أطلقها أدولف على نفسه الذئب (ألمانية: Wolf) أو السيد ذئب (ألمانية: Herr Wolf). وقد بدأ في استخدام هذه اللقب في أوائل العشرينات من القرن التاسع عشر وكان يناديه به المقربين منه فقط (حيث لقبه أفراد عائلة فاجنر باسم العم ذئب) حتى سقوط الرايخ الثالث.[13] وقد عكست الأسماء التي أطلقها على مقرات القيادة المختلفة له في كل أنحاء أوروبا القارية ذلك، فكانت أسماؤها وكر الذئب في بروسيا الشرقية، وWolfsschlucht في فرنسا، وWerwolf في أوكرانيا وغيرها من الأسماء التي كانت تشير إلى هذا اللقب. علاوةً على ذلك، عرف هتلر باسم "آدي" بين المقربين من عائلته وأقاربه.
وكان جد هتلر لأبيه على الأرجح واحدًا من الأخوين يوهان جورج هيدلر أو يوهان نيبوموك هيدلر. وسرت الشائعات بأن هتلر كان ينتسب إلى اليهود عن طريق واحد من أجداده؛ لأن جدته ماريا شيكلجروبر قد حملت عندما كانت تعمل كخادمة في أحد البيوت اليهودية. وأحدث المعنى الكامن في هذه الشائعات دويًا سياسيًا هائلاً حيث إن هتلر كان نصيراً متحمساً لإيديولجيات عنصرية ومعادية للسامية. وقد حاول خصومه جاهدين إثبات نسب هتلر إلى أصول يهودية أو تشيكية. وبالرغم من أن هذه الإشاعات لم تثبت صحتها أبدًا، فإنها كانت كافية بالنسبة لهتلر لكي يقوم بإخفاء أصوله. ووفقًا لما ذكره روبرت جي إل وايت في كتابه The Psychopathic God: Adolf Hitler، فقد منع هتلر بقوة القانون عمل المرأة الألمانية في البيوت اليهودية. وبعد ضم النمسا إلى ألمانيا، قام هتلر بتحويل المدينة التي عاش فيها والده إلى منطقه لتدريب المدفعية.
[عدل]
النشأة
بدءاً من عام 1905، عاش هتلر حياة بوهيمية في فيينا على منحة حكومية لإعانة الأيتام ودعم مالي كانت والدته تقدمه له. وتم رفض قبوله مرتين في أكاديمية الفنون الجميلة في فيينا وذلك في عامي 1907 و1908 لأنه "غير مناسب لمجال الرسم" وأخبروه أن من الأفضل له توجيه قدراته إلى مجال الهندسة المعمارية.[14] وعكست مذكراته افتتانه بهذا الموضوع:
كان الهدف من رحلتي هو دراسة اللوحات الموجودة في صالة العرض في المتحف الذي كان يطلق عليه Court Museum، ولكنني نادراً ما كنت ألتفت إلى أي شيء آخر سوى المتحف نفسه. فمند الصباح وحتى وقت متأخر من الليل، كنت أتنقل بين المعروضات التي تجذب انتباهي، ولكن كانت المباني دائمًا هي التي تستولي على كامل انتباهي.[15]
وبعد نصيحة رئيس المدرسة له، اقتنع هو أيضًا أن هذا هو الطريق الذي يجب أن يسلكه ولكن كان ينقصه الإعداد الأكاديمي المناسب للالتحاق بمدرسة العمارة.
وفي غضون أيام قلائل، أدركت في أعماقي إنني يجب أن أصبح يومًا مهندسًا معماريًا. والحقيقة هي أن سلوكي هذا الطريق كان مسألة شاقة للغاية حيث إن إهمالي لإتمام دراستي في المدرسة الثانوية قد ألحق الضرر بي لأنه كان ضروريًا إلى حد بعيد. وكان لا يمكن أن التحق بالمدرسة المعمارية التابعة للأكاديمية دون أن أكون قد التحقت قبلها بمدرسة البناء الخاصة بالدراسة الفنية والتي كان الالتحاق بها يستلزم الحصول على شهادة المدرسة الثانوية. ولم أكن قد قمت بأية خطوة من هذه الخطوات. فبدا لي أن تحقيق حلمي في دنيا الفن مستحيلاً بالفعل.[15]
وفي 21 ديسمبر، 1907، توفيت والدة هتلر إثر إصابتها بسرطان الثدي عن عمر يناهز السبعة وأربعين عامًا. وبأمر من أحد المحاكم في لينز، أعطى هتلر نصيبه في الإعانة التي تمنحها الحكومة للأيتام لشقيقته باولا. وعندما كان في الحادية والعشرين من عمره، ورث هتلر أموالاً عن واحدة من عماته. وحاول هتلر أن يشق طريقه بجهد كرسام في فيينا حيث كان ينسخ المناظر الطبيعية الموجودة على البطاقات البريدية ويبيع لوحاته إلى التجار والسائحين وبعد أن تم رفضته أكاديمية الفنون للمرة الثانية، كان ماله كله قد نفذ. وفي عام 1909، عاش هتلر في مأوى للمشردين. ومع حلول عام 1910، كان هتلر قد استقر في منزل يسكن فيه الفقراء من العمال في Meldemannstraße.
وصرح هتلر أن اعتقاده في وجوب معاداة السامية ظهر لأول مرة في فيينا التي كان تعيش فيها جالية يهودية كبيرة تشتمل على اليهود الأرثوذكس الذين فروا من المذابح المنظمة التي تعرضوا لها في روسيا.[15] وعلى الرغم من ذلك، فقد ورد على لسان أحد أصدقاء طفولته وهو أوجست كوبيتسك أن ميول هتلر "المؤكدة في معاداة السامية" قد ظهرت قبل أن يغادر لينز في النمسا.[15] وفي هذه الفترة، كانت فيينا مرتعًا لانتشار روح التحيز الديني التقليدية، وكذلك للعنصرية التي ظهرت في القرن التاسع عشر. ومن الممكن أن يكون هتلر قد تأثر بكتابات لانز فون ليبنفيلس؛ واضع النظريات المعادي للسامية، وكذلك بآراء المجادلين من رجال السياسة أمثال: كارل لويجر مؤسس الحزب الاشتراكي المسيحي وعمدة فيينا بالإضافة إلى المؤلف الموسيقي ريتشارد فاجنر وجورج ريتر فون شونيرر وهو أحد زعماء حركة القومية الألمانية التي عرفت باسم بعيداً عن روما!؛ وهي الحركة التي ظهرت في أوروبا في القرن التاسع عشر والتي كانت تهدف إلى توحيد الشعوب التي تتحدث الألمانية في أوروبا. ويزعم هتلر في كتابه كفاحي أن تحوله عن فكرة معارضة معاداة السامية من منطلق ديني إلى تأييدها من منطلق عنصري جاء من احتكاكه باليهود الأرثوذكس وإذا كان هذا التفسير صحيحًا، فمن الواضح أن هتلر لم يكن يتصرف وفقًا لهذا المعتقد الجديد. فقد كان غالبًا ما ينزل ضيفًا على العشاء في منزل أحد النبلاء اليهود بالإضافة إلى قدرته الكبيرة على التفاعل مع التجار اليهود الذين كانوا يحاولون بيع لوحاته.[16]
وربما تأثر هتلر أيضًا بقراءته للدراسة التي قام بها مارتن لوثر والتي كان عنوانها "عن اليهود وأكاذيبهم" (بالإنجليزية: On the Jews and their Lies). وفي كتابه كفاحي يشير هتلر إلى مارتن لوثر باعتباره محاربًا عظيمًا ورجل دولة حقيقي ومصلح عظيم، وكذلك كان كل من فاجنر وفريدريك الكبير بالنسبة له.[17] وكتب فيلهلم روبك عقب واقعة الهولوكوست، قائلاً: "مما لا شك فيه أن مذهب مارتن لوثر كان له تأثير على التاريخ السياسي والروحي والاجتماعي في ألمانيا بطريقة - بعد التفكير المتأمل في كل جوانبها - يمكن وصفها بأنها كانت جزء من أقدار ألمانيا.
وزعم هتلر أن اليهود كانوا أعداءً للجنس الآري. كما ألقى على كاهل اليهود مسئولية الأزمة التي حدثت في النمسا. واستطاع الوقوف على صور محددة من الاشتراكية والبلشفية التي تزعمها العديد من القادة اليهود - كنوع من أنواع الحركات اليهودية - ليقوم بعمل دمج بين معاداة السامية وبين معاداة الماركسية. وفي وقت لاحق، ألقى هتلر باللوم في هزيمة الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الأولى على ثورات عام 1918 ومن ثم، أتهم اليهود بجريمة التسبب في ضياع أهداف ألمانيا الاستعمارية، وكذلك في التسبب في المشكلات الاقتصادية التي ترتبت على ذلك.
وعلى ضوء المشاهد المضطربة التي كانت تحدث في البرلمان في عهد الملكية النمساوية متعددة الجنسيات، قرر هتلر عدم صلاحية النظام البرلماني الديمقراطي للتطبيق. وبالرغم من ذلك - ووفقًا لما قاله أوجست كوبيتسك والذي شاركه الغرفة نفسها في وقت من الأوقات - أن هتلر كان مهتمًا بأعمال الأوبرا التي ألفها فاجنر أكثر من اهتمامه بآرائه السياسية.
واستلم هتلر الجزء الأخير من ممتلكات والده في مايو من عام 1913 لينتقل بعدها للعيش في ميونيخ. وكتب هتلر في كفاحي أنه كان يتوق دائمًا للحياة في مدينة ألمانية "حقيقية". وفي ميونيخ، أصبح هتلر أكثر اهتمامًا بفن المعمار؛ وذلك ما جاء على لسان هتلر وظهر في كتابات هوستن ستيوارت تشامبرلين. كما أن انتقاله إلى ميونيخ قد ساعده أيضًا على التهرب من أداء الخدمة العسكرية في النمسا لبعض الوقت بالرغم من أن الشرطة في ميونيخ (والتي كانت تعمل بالتعاون مع السلطات النمساوية) تمكنت في نهاية الأمر من إلقاء القبض عليه. وبعد فحصه جسديًا وتقدمه بالتماس يدل على ندمه على ما اقترفه، تقرر أنه غير لائق لأداء الخدمة العسكرية وتم السماح له بالعودة إلى ميونيخ. ومع ذلك، وعندما دخلت ألمانيا الحرب العالمية الأولى في أغسطس من عام 1914، تقدم هتلر بالتماس لملك بافاريا لودفيج الثالث للسماح له بالخدمة في بالجيش. وبالفعل وافق الملك على التماسه، وتم تجنيد أدولف هتلر في الجيش البافاري.[18]
[عدل]
الحرب العالمية الأولى
هتلر أثناء الحرب العالمية الأولى
خدم هتلر في فرنسا وبلجيكا مع الفوج البافاري الاحتياطي السادس عشر -والذي عرف باسم فوج ليست (بالألمانية: Regiment List) نسبةً إلى قائده الأول-. وانتهت الحرب بتقلده رتبة جيفريتر (وهي رتبة تعادل وكيل عريف في الجيش البريطاني وجندي من الدرجة الأولى في الجيوش الأمريكية). عمل هتلر كرسول بين الجيوش؛ وهي واحدة من أخطر الوظائف على الجبهة الغربية، وكان معرضًا في أغلب الأحيان للإصابة بنيران العدو.[19] كما اشترك في عدد من المعارك الرئيسية على الجبهة الغربية، وتضمنت هذه المعارك: معركة يبريس الأولى ومعركة السوم ومعركة آراس ومعركة باسكيندايلي[20].
ودارت معركة يبريس في أكتوبر من عام 1914 والتي شهدت مقتل حوالي 40,000 جندي خلال عشرين يومًا (وهو ما بين ثلث ونصف عدد الجنود المشاركين فيها). أما الكتيبة التي كان هتلر فرداً من أفرادها فقد تقلص عددها من مائتين وخمسين جندي إلى اثنين وأربعين جنديًا بحلول شهر ديسمبر. وكتب كاتب السير الذاتية جون كيجان أن هذه التجربة قد جعلت هتلر يتجه إلى الانعزال والانطواء على نفسه خلال السنوات الباقية للحرب.[21]
وتقلد هتلر وسامين تقديرًا لشجاعته في الحرب. حيث تقلد وسام الصليب الحديدي من الدرجة الثانية في عام 1914، وتقلد أيضًا وسام الصليب الحديدي من الدرجة الأولى في عام 1918؛ وهو تكريم نادرًا ما يحصل عليه عسكري من رتبة جيفريتر[22]. ومع ذلك، لم تتم ترقية هتلر إلى رتبة أونتيروفيزير (وهي رتبة تعادل العريف في الجيش البريطاني) نظرًا لكونه يفتقر إلى المهارات القيادية من وجهة نظر قادة الفوج الذي كان ينتمي إليه. ويقول بعض المؤرخين الآخرين أن السبب وراء عدم ترقيته يرجع إلى أنه لم يكن مواطناً ألمانياً. وكانت المهام التي كان هتلر يكلف بها في المقرات العسكرية محفوفة عادةً بالمخاطر، ولكنها سمحت له بمتابعة إنتاج أعماله الفنية. وقام هتلر برسم الصور الكاريكاتورية والرسومات التعليمية لإحدى الصحف التابعة للجيش. وفي عام 1916، أصيب هتلر بجرح إما في منطقة أصل الفخذ [23] أو في فخذه الأيسر [24] وذلك أثناء مشاركته في معركة السوم ولكنه عاد إلى الجبهة مرةً أخرى في مارس من عام 1917. وتسلم شارة الجرحى في وقت لاحق من نفس العام. وأشار سباستيان هافنر إلى تجربة هتلر على الجبهة موضحًا أنها سمحت له على أقل تقدير بفهم الحياة العسكرية.
وفي 15 أكتوبر 1918، دخل هتلر إحدى المستشفيات الميدانية على إثر إصابته بعمى مؤقت عقب تعرضه لهجوم بغاز الخردل. ويشير العالم النفسي الإنجليزي ديفيد لويس وكذلك بيرنارد هورسمتان إلى أن إصابة هتلر بالعمى قد تكون نتيجةً اضطراب تحوّلي (والذي كان معروفًا في ذلك الوقت باسم هيستريا).[25] وعقب هتلر على هذه الواقعة فقال إنه أثناء هذه التجربة أصبح مقتنعًا أن سبب وجوده في الحياة هو "إنقاذ ألمانيا." ويحاول بعض الدارسين - خاصةً لوسي دافيدوفيتش، [26] أن يبرهنوا على أن نية هتلر لإبادة يهود أوروبا كانت تامة الرسوخ في ذهنه في ذلك الوقت على الرغم من عدم استقراره على الطريقة التي سيتمكن بها من تنفيذ هذا الأمر. ويعتقد معظم المؤرخين أنه اتخذ هذا القرار في عام 1941 بينما يعتقد البعض الآخر أنه قد عقد العزم عليه في وقت لاحق في عام 1942.
هتلر مع بعض زملائه أثناء الحرب العالمية الأولى
كان إعجاب هتلر بألمانيا قد سيطر عليه منذ زمن بعيد، وأثناء الحرب أصبح وطنيًا متحمسًا أشد الحماس للدفاع عن ألمانيا بالرغم من أنه لم يصبح مواطنًا ألمانيًا حتى عام 1932. ورأي هتلر أن الحرب هي "أعظم الخبرات التي يمكن أن يمر بها المرء في حياته". وفي وقت لاحق، أشاد به عدد من قادته تقديرًا لشجاعته.[27] وصدم هتلر من اتفاقية الاستسلام التي وقعتها ألمانيا في نوفمبر من عام 1918 على الرغم من سيطرة الجيش الألماني حتى ذلك الوقت على أراضِ للعدو.[28] ومثله مثل العديد من المناصرين للقومية الألمانية، كان هتلر يؤمن بأسطورة الطعنة في الظهر (بالألمانية: Dolchstoßlegende) التي قالت بإن الجيش "الذي لم تتم هزيمته في ساحة المعركة" قد "تعرض لطعنة في الظهر" من قادة مدنين وماركسيين على الجبهة الداخلية. وقد عرف هؤلاءالسياسيين فيما بعد باسم مجرمي نوفمبر.
وحرمت معاهدة فرساي ألمانيا من مناطق عديدة كانت تابعة لها، وجردت منطقة رينهارد من الصفة العسكرية التي كانت تتمتع بها، كما فرضت عقوبات اقتصادية مدمرة أخرى على ألمانيا. وأعادت المعاهدة الوجود لدولة بولندا من جديد؛ وهو الأمر الذي اعتبره لألمان - حتى المعتدلين منهم - نوعًا من أنواع الإهانة. وحملت المعاهدة ألمانيا مسئولية كل فظائع الحرب، وهو الأمر الذي ينظر إليه مؤرخون بارزون من أمثال: جون كيجان الآن باعتباره على أقل تقدير تطبيقًا للعدالة من وجهة نظر الطرف المنتصر: فقد طغت الصفة العسكرية على معظم الأمم الأوروبية في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى بشكل متزايد وكانت هذه الأمم تتلهف للقتال. وكان إلقاء اللوم على ألمانيا هو الأساس لفرض إصلاحات على ألمانيا (وقد تم تعديل مقدار هذه الإصلاحات بشكل متكرر وفقًا للخطط المعروفة باسم خطة داوس خطة يونج وHoover Moratorium). أما ألمانيا، فقد رأت أن المعاهدة وخاصةً البند رقم 231 منها وبالتحديد الفقرة التي تتحدث عن مسئولية ألمانيا عما حدث في الحرب نوعًا من أنواع الإهانة. فعلى سبيل المثال، كان هناك تجريد كامل للقوات المسلحة الألمانية من صفتها العسكرية يسمح لها بالاحتفاظ بست بوارج فقط ويمنعها من الاحتفاظ بغواصات أو قوات جوية أو مركبات مدرعة أو جيش يفوق عدده مائة ألفًا من الجنود إلا تحت ظروف التجنيد الإجباري التي يمكن أن تفرضها الحرب. وكان لمعاهدة فرساي دورًا مهمًا في الظروف الاجتماعية والسياسية التي صادفها هتلر وأتباعه من النازيين أثناء سعيهم للفوز بالسلطة. ونظر هتلر وحزبه إلى توقيع "مجرمي نوفمبر" على المعاهدة كسبب يدعوهم إلى بناء ألمانيا من جديد بشكل لا يتكرر معه ما حدث مرةً أخرى. واستخدم هتلر مجرمي نوفمبر ككبش فداء على الرغم من الخيارات المحدودة للغاية والتي كانت متاحة أمام هؤلاء الساسة في مؤتمر باريس للسلام.
[عدل]
دخول هتلر إلى عالم السياسة
مقال تفصيلي :معتقدات هتلر السياسية
نسخة من بطاقة العضوية المزورة الخاصة بهتلر في حزب العمال الألماني (DAP).وكان رقم العضوية الحقيقي لهتلر هو 555 (ومعناه العضو الخامس والخمسون في قائمة أعضاء الحزب - وتمت إضافة الرقم 5 ليبدو عدد أعضاء الحزب أكبر)، ولكن فيما بعد تم ذلك تقليل الرقم ليترك انطباعًا بأن هتلر كان واحدًا من الأعضاء المؤسسين للحزب. وقد كان هتلر يرغب في تكوين الحزب الخاص به، ولكن صدرت إليه الأوامر من رؤسائه في قوة الدفاع الوطنية بأن يخترق صفوف الحزب الموجود فعلاً.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظل هتلر في الجيش وعاد إلى ميونيخ حيث شارك في الجنازة العسكرية التي أقيمت لرئيس الوزراء البافاري الذي تم اغتياله - كيرت آيسنر وذلك على خلاف تصريحاته التي أعلنها في وقت لاحق.[29] وفي أعقاب قمع الجمهورية السوفيتية البافارية، شارك هتلر في حضور دورات "الفكر القومي" التي كان ينظمها قسم التعليم والدعاية (Dept Ib/P) التابع للجماعة البافارية التي كان يطلق عليها اسم Reichswehr في مركز القيادة الرئيسي الرابع تحت إشراف كابتن كارل ماير. وتم إلقاء اللوم على الشعب اليهودي الذي ينتشر أفراده في كل أنحاء العالم، وعلى الشيوعيين، وعلى رجال السياسة من كل الانتماءات الحزبية؛ خاصةً تحالف فايمار الائتلافي.
وفى يوليو، 1919، تم تعيين هتلر في منصب جاسوس للشرطة (ألمانية:Verbindungsmann) وكان يتبع (قيادة الاستخبارات (Aufklärungskommando) التي كانت تتبع قوات الدفاع الوطنية (Reichswehr) من أجل التأثير على الجنود الآخرين واختراق صفوف حزب صغير؛ وهو حزب العمال الألماني (DAP).وأثناء استكشافه للحزب، تأثر هتلر بأفكار مؤسس الحزب آنتون دريكسلر المعادية للسامية والقومية والمناهضة للرأسمالية والمعارضة لأفكارالماركسية. وكانت أفكاره تؤيد وجود حكومة قوية ونشيطة؛ وهي أفكار مستوحاة من الأفكار الاشتراكية "غير اليهودية" ومن الإيمان بضرورة وجود تكافل متبادل بين كل أفراد المجتمع. كما حازت مهارات هتلر الخطابية على إعجاب دريكسلر فدعاه إلى الانضمام للحزب ليصبح العضو الخامس والخمسين فيه. كما أصبح هتلر أيضًا العضو السابع في اللجنة التنفيذية التابعة للحزب. وبعد مرور عدة سنوات، أدعى هتلر إنه العضو السابع من الأعضاء المؤسسين للحزب.
كما التقى هتلر مع ديتريش إيكارت وهو واحد من المؤسسين الأوائل للحزب، كما كان عضوًا في الجمعية السرية المعروفة باسم Thule Society.[30] وأصبح إيكارت المعلم الخاص بهتلر الذي يعلمه الطريقة التي يجب أن ينتقي بها ملابسه ويتحدث بها، كما قدمه إلى مجتمع واسع من الناس. ووجه هتلر عميق شكره إلى إيكارت عن طريق الثناء عليه في المجلد الثاني من كتابه المعروف باسم Mein Kampf. وفي محاولة لزيادة شعبية الحزب، قام الحزب بتغيير اسمه إلى حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني (بلألمانية: Nationalsozialistische Deutsche Arbeiterpartei).
وتم تسريح هتلر من الجيش في مارس، 1920، فبدأ مدعومًا بالتشجيع المستمر من أعضاء الحزب من ذوي المناصب الأعلى في المشاركة الكاملة في أنشطة الحزب. وفي بدايات عام 1921، بدأ هتلر يتمكن بشكل كامل من إجادة فن الخطابة أمام الحشود الكبيرة. وفي فبراير، تحدث هتلر أمام حشد يضم حوالي ستة آلاف فرد في ميونيخ. وللدعاية لهذا الاجتماع، أرسل هتلر شاحنتين محملتين بمؤيدي الحزب ليجوبوا الشوارع وهم يحملون الصليب المعقوف محدثين حالة من الفوضى وهم يلقون بالمنشورات صغيرة الحجم إلى الجماهير في أول تنفيذ للخطة التي قاموا بوضعها. انتشرت سمعة هتلر السيئة خارج الحزب نظرًا لشخصيته الفظة وخطاباته الجدلية العنيفة المناهضة لمعاهدة فرساي والسياسيين المنافسين له (بما في ذلك أنصار الحكم الملكي والمنادين بفكرة القومية وغيرهم من الاشتراكيين غير المؤمنين بسياسة التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول؛ واشتهر بوجه خاص بخطاباته المناهضة للماركسيين ولليهود.
واتخذ حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني [31] من ميونيخ مقرًا له. وكانت ميونيخ في ذلك الوقت أرضًا خصبة لمناصري القومية الألمانية الذين كان منهم ضباط من الجيش قد عقدوا العزم على سحق الماركسية وتقويض دعائم جمهورية فايمار (الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 كنتيجة للحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا الحرب). وبمرور الوقت، لفت هتلر وحركته التي أخذت في النمو أنظار هؤلاء الضباط باعتبارها أداة مناسبة لتحقيق أهدافهم. وفي صيف عام 1921، سافر هتلر إلى برلين لزيارة بعض الجماعات التي كانت تنادي بالقومية. وفي فترة غيابه، كانت هناك حالة من التمرد بين قيادات حزب العمال الألماني في ميونيخ.
وتولت إدارة الحزب لجنة تنفيذية نظر أعضاؤها الأساسيون إلى هتلر باعتباره شخصية متغطرسة ومستبدة. وقام هؤلاء الأعضاء بتشكيل حلف مع مجموعة من الاشتراكيين في مدينة Augsburg. وأسرع هتلر بالعودة إلى ميونيخ وحاول مقاومة الهجمة الشرسة عليه بتقديم استقالته رسميًا من الحزب في 11 يوليو في عام 1920. وعندما أدرك هؤلاء الأعضاء أن خسارتهم لهتلر ستعني عمليًا نهاية الحزب، انتهز هتلر الفرصة وأعلن عن إمكانية عودته إلى الحزب شريطة أن يحل محل دريكسلر في رئاسة الحزب متمتعًا بالنفوذ المطلق فيه. وحاول أعضاء الحزب الحانقين (بما فيهم دريكسلر) الدفاع عن مكانتهم في بداية الأمر. وفي ذلك الوقت، ظهر كتيب مجهول المصدر يحمل عنوان "أدولف هتلر: هل هو خائن؟" (بالإنجليزية: Adolf Hitler: Is he a traitor?) ليهاجم تعطش هتلر للاستيلاء على السلطة وينتقد زمرة الرجال الملتفين حوله والذين يتميزون بالعنف. وردًا على نشر هذا الكتيب عنه في صحيفة تصدر في ميونيخ، أقام هتلر دعوى قضائية بسبب التشهير، وحظى في وقت لاحق بتسوية بسيطة معهم.
وتراجعت اللجنة التنفيذية لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني عن موقفها في نهاية الأمر واعترفت بهزيمتها، وتم التصويت بين أعضاء الحزب بشأن الموافقة على مطالب هتلر. وحصل هتلر على موافقة خمسمائة وثلاثة وأربعين صوتًا من أصوات الأعضاء في مقابل الرفض من صوت واحد فقط. وفي الاجتماع التالي لأعضاء الحزب الذي عقد في التاسع والعشرين من يوليو، 1921، تم تقديم أدولف هتلر بصفته فوهرر (بالألمانية: Führer) لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني؛ وهي المرة الأولى التي تم فيها الإعلان عن هذا اللقب على الملأ.
وبدأت الخطب التي كان هتلر يلقيها في النوادي التي كان يجتمع فيها أفراد الشعب الألماني ليهاجم بها اليهود والديقراطيين الاشتراكيين والليبراليين وأنصار الحكم الملكي الرجعيين والرأسماليين والشيوعيين تؤتي ثمارهاالمرجوة وتجذب إليه المزيد من المؤيدين. وكان من مؤيدي هتلر الأوائل: ردولف هس، والطيار السابق في القوات الجوية هيرمان جورينج وقائد الجيش ايرنست روم الذي أصبح بعد ذلك رئيسًا للمنظمة شبه العسكرية النازية المعروفة باسم SA (كتيبة العاصفة (بالألمانية: Sturmabteilung))التي تولت حماية الاجتماعات والهجوم على خصومه السياسيين. وكوّن هتلر جماعات مستقلة مشابهة مثل: جبهة العمل الألمانية (بالألمانية: Deutsche Werkgemeinschaft) والتي اتخذت من مدينة نورنبيرغ مقرًا لها. وكان يوليوس شترايشر رئيسًا لها، وشغل بعد ذلك منصب Gauleiter (قائد فرع إقليمي لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني) في منطقة Franconia. علاوةً على ذلك، لفت هتلر أنظار أصحاب المصالح التجارية المحليين، وتم قبوله في الدوائر التي كانت تتضمن أصحاب النفوذ في مجتمع مدينة ميونيخ. كما اقترن اسمه باسم القائد العسكري الذي كان ذائعًا في فترة الحرب الجنرال ايريك لودندورف.