:erferre:
اعادة تصنيع النفايات
في عالمنا المعاصر، بدأ الاهتمام
أخيراً بإعادة تصنيع النفايات أو تدويرها، ويرى دعاة حماية البيئة أن ذلك يعد إحدى
الوسائل المهمة للمحافظة على البيئة، والحؤول دون استنزاف الثروات والموارد
الطبيعية فيها بسرعة·
وكان الدافع وراء الاتجاه إلى إعادة التصنيع هو كثرة
النفايات التي تنتج من استعمالاتنا المنزلية والمدنية والصناعية، ولا سيما أن
المجتمعات البشرية الحالية اعتادت على استخدام الأشياء مرة واحدة ونبذ ما تبقى
منها· ومما تسبب في تفاقم هذه المشكلة:
التوسع في صناعة التغليف والتغليب· فعلى سبيل المثال، <دفع المستهلكون
في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1986م ثمناً لتعبئة المواد الغذائية أكبر
مما حصل عليه المزارعون الأميركيون ثمناً لمحاصيلهم>(1)، فسعياً إلى اجتذاب المستهلكين تغلف الأصناف أحياناً بثلاث أو
أربع طبقات من الأغلفة· وإضافة إلى ذلك، تستخدم في نقلها أكياس من الورق أو
البلاستيك التي تطرح أيضاً بعد استخدامها مرة واحدة·
ويطرح العالم حالياً في مقالب القمامة ومراكز دفن
النفايات ما يقرب من ثلثي كميات الألومنيوم المصنعة عالمياً، وثلاثة أرباع ما
تنتجه مصانع الحديد والصلب ومصانع الورق، بل إن معظم البلاستيك المنتج ينتهي به
المطاف إلى أماكن تجميع النفايات للتخلص منه بالدفن أو الحرق·(2)
وقد كانت زيادة الوعي البيئي دافعاً إلى الإكثار من
إعادة تصنيع المواد واستخدامها من جديد· وكان مما عزز ذلك هو امتلاء مواقع دفن
القمامة بالنفايات، مما اضطر السلطات المحلية في الكثير من البلدان إلى اتباع أحد
السبيلين التاليين أو هما معاً·
الأول: تصدير النفايات أو شحنها إلى أماكن نائية للتخلص
منها·
والثاني: المساعدة على إقامة صناعات لإعادة تدوير المواد
واستخدامها من جديد·
وفي كثير من بلدان العالم، يتم التخلص من النفايات
بالدفن أو الحرق، وكلا الأسلوبين له أضراره ومخاطره البيئية· ولهذا، اتجهت بعض
الدول إلى التخلي عن هذا الأسلوب، بتطبيق تقنيات جديدة للاستفادة من النفايات
وإعادة استخدام ما هو مناسب منها وتصنيعه· وتحظى مجالات توليد الطاقة من النفايات
بأكبر اهتمام، إذ يمكن توليدها (أي الطاقة) مباشرة في شكل حرارة عند حرق النفايات
في أفران خاصة، ويستفاد من الحرارة الناتجة من توافر مستلزمات الإنسان من تدفئة
ومياه ساخنة، كما يمكن استخدام هذه الحرارة في أغراض التصنيع والتدفئة· وفي
العادة، كانت القمامة والنفايات تلقى في أفران معامل حرق النفايات الكبيرة من دون
أن تتعرض لأي معالجة أولية· ولما كانت القمامة تحتوي على بعض المواد التي يمكن
فصلها وإعادة تصنيعها من جديد، فإن إجراء عمليات الفصل هذه يعد ضرورياً· وثمة دول
تلجأ إلى ذلك بدءاً من مرحلة تجميع النفايات، ويكون ذلك عن طريق تخصيص صناديق
معينة لكل من العلب المعدنية (مثل قوارير المشروبات الغازية المصنوعة من
الألومنيوم)، والصحف والمجلات القديمة والزجاج·
وفي وحدات المعالجة، يمكن فصل بعض المعادن (كالحديد والنيكل)
الموجودة في القمامة مغناطيسياً، كما يمكن فصل الزجاج والورق، ومن ثمَّ يقل حجم
النفايات التي ينتهي بها المطاف إلى الأفران· وإذا نظرنا إلى التكاليف العالية
لعمليات حرق النفايات فإنه يبدو من غير المناسب أن ينشأ أي معمل في المستقبل من
غير إيجاد وسيلة للاستفادة من الطاقة الحرارية المتولدة· وهذا يعني أن أي معمل
لحرق النفايات يجب أن يحصل على مستهلك للطاقة المتولدة·
وهناك طريقة أخرى أسهل لتوليد الطاقة بإنتاج وقود مستخلص
من النفايات، وفي هذه المحاولة، فإنه لا يعتمد على مستهلكين محدودين كما في توليد
الطاقة المباشرة، ولكن هذه الطاقة يمكن تقويمها وخزنها وتوزيعها لمستهلكين أكثر
انتشاراً، ويمكن الحصول على وقود من النفايات عن طريق تجميع النفايات على شكل كرات
تفرم، ويمكن استخدامها في مواقد الغلايات العادية، أو في مواقد الاحتراق الكبيرة،
خصوصاً في أفران صناعة الأسمنت، وهذا الوقود ذو قيمة حرارية تصل إلى نصف تلك التي
للفحم·(6)
وتحتوي نفايات الإنسان، التي يتم تصريفها في المجاري،
ومخلفات الحيوانات والطيور (الروث) على نسبة كبيرة من المواد العضوية التي يمكن
الاستفادة منها لهذا الغرض· وقد بيَّنت التجارب المعملية التي قام بها الباحثون أن
56% من الغازات الناتجة من هذه النفايات عبارة عن غاز الميثان، و35% منها عبارة عن
غاز ثاني أكسيد الكربون· وتعد إنكلترا إحدى الدول التي تقوم باستغلال النفايات
لإنتاج الغاز الحيوي (البيوجاز)· وفي إحصائية قامت بها إحدى المؤسسات العلمية
هناك، وجد أن كمية الغاز المنتج في العام 1980م وصلت إلى 1.7 مليون متر مكعب، وهي
كمية تعادل مقدار الطاقة التي تحصل عليها تلك الدولة من حرق خمسة ملايين برميل من
زيت البترول الخام، وهي تعادل أيضاً ثلاثة في المئة من كمية الغاز التي تستهلكها
المملكة المتحدة سنوياً· ويطلق على الطريقة العلمية المتبعة في إنتاج الغاز الحيوي
من روث الحيوانات اسم <الهضم اللاهوائي>، وفي هذه الطريقة
يوضع الروث في وعاء يدعى <الهاضم> ولا يسمح للأكسجين بالدخول فيه، فتقوم البكتيريا بتحليل الروث،
ثم يجمع الغاز الناتج من عملية التحلل بالبكتيريا في خزان، ومن ثمَّ يستعمل في
الأغراض المطلوبة·
والمخلفات الناتجة بعد عملية التحلل تحتوي على غاز
النتيروجين، وهو الغاز الذي تحتاجه النباتات في غذائها، ولذلك فإن مخلفات عملية
الهضم اللاهوائي يمكن استخدامها في تسميد النباتات في المزارع· وبهذا الشكل يمكن
الاستفادة من مخلفات الإنسان والحيوان، باعتبارها مصدر طاقة ومصدر أسمدة في الوقت
نفسه·
ويمكن استخدام فضلات الورق أيضاً لإنتاج مجموعة عريضة من
المركبات المفيدة، وذلك من خلال إجراء التحلل الحمضي الإنزيمي لمادة الورق، إلى
مادة الغلوكوز· ويمكن تحويل الغلوكوز بدوره إلى شراب سكري، يستخدم في صناعة
الحلويات· كذلك يمكن استخدام الغلوكوز لإنتاج خميرة الخبز· كما يمكن استخدام
النفايات الورقية كمضافات لعليقة الدواجن، أو كمواد عازلة، أو كمواد تصنع منها
عبوات البيض الكرتونية· ويمكن استخدامها في إنتاج السماد المكمور·
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فإذا اعترضت عملية معالجة
النفايات الورقية صعوبات فنية أو تمويلية، توجد هناك خطوات عدة عملية للاستفادة من
هذه النفايات من دون معالجة· كما يمكن حرث الورق في الأرض دون معالجة مسبقة وتركه
يتحلل، فيعمل بذلك على تخصيب التربة، وإذا تعذرت تماماً عملية إعادة استخدام
النفايات فإن الأمر يتطلب دراسة إحدى الطرق المأمونة للتخلص منها·
وهناك أسلوبان للتخلص من النفايات الورقية بالذات،
أولهما الدفن في حفر تحت سطح الأرض، وثانيهما الحرق في أجهزة خاصة، تعرف باسم
المحارق، وفي بعض الأحيان يمكن الاستفادة من الحرارة الناشئة عن احتراق الورق في
أثناء هذه العملية في توافر التدفئة اللازمة لعملية تحلل المواد الصلبة والرواسب
المتخلفة عن العمليات الصناعية·
ونشير هنا إلى أن تدارس مختلف الخيارات الخاصة بإعادة
استخدام الفضلات أو التخلص منها لا يشكل إلا جانباً محدداً من جملة الفاعليات
الخاصة بالتعامل معها، إذ إن التعامل المأمون مع النفايات يتطلب أيضاً اختيار
الأماكن الملائمة للعمليات الخاصة بمعالجتها أو التخلص منها· ويجب أن تراعي في هذا الاختيار الجوانب
البيئية والتشريعات الخاصة بالصحة العامة·