هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
البوابةأحدث الصورالتسجيلدخولالرئيسية
المواضيع الأخيرة
» INFORMATIONS SUR LES MALADIES : SYMPTÔMES, DIAGNOSTIC, TRAITEMENTS, PRÉVENTION
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالأحد 13 يونيو 2021, 15:01 من طرف abdelhalim berri

»  Il était une fois un vieux couple heureux de M. Khair-Eddine
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالسبت 10 أبريل 2021, 14:22 من طرف abdelhalim berri

» أحلى صفات المرأة والتي تجعل الرجل يحبها بجنون
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالخميس 17 أكتوبر 2019, 17:59 من طرف abdelhalim berri

» بحث حول العولمـــــــــــــــة
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالأربعاء 10 يوليو 2019, 00:22 من طرف abdelhalim berri

» L'intégration des connaissances en littérature Française
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالأربعاء 10 يوليو 2019, 00:17 من طرف abdelhalim berri

» Dr Patrick Aïdan : Chirurgie robotique thyroidienne par voie axillaire
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالأربعاء 10 يوليو 2019, 00:15 من طرف abdelhalim berri

» كيف نشأت الفلسفة
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالثلاثاء 09 أبريل 2019, 23:53 من طرف abdelhalim berri

» زجل :الربيع.
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالجمعة 21 ديسمبر 2018, 14:05 من طرف abdelhalim berri

» le bourgeois gentilhomme de Molière
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالجمعة 21 ديسمبر 2018, 14:02 من طرف abdelhalim berri

» مساعدة
تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالإثنين 09 يوليو 2018, 01:12 من طرف abdelhalim berri

بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 8836 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو سعد فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 87005 مساهمة في هذا المنتدى في 16930 موضوع
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
روابط مهمة
Maroc mon amour

خدمات المنتدى
تحميل الصور و الملفات

 

 تفسير سورة لقمان كاملة

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
zineb haddar2/8
عضو متّألق
عضو متّألق
zineb haddar2/8


الإسم الحقيقي : zineb haddar
البلد : Maroc

عدد المساهمات : 584
التنقيط : 49450
العمر : 24
تاريخ التسجيل : 01/10/2011
الجنس : انثى

تفسير سورة لقمان كاملة Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة لقمان كاملة   تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالخميس 24 نوفمبر 2011, 17:41

تفسير سورة لقمان كاملة 3713755243تفسير سورة لقمان


* هذه السورة الكريمة "سورة لقمان" من السور
المكية، التي تعالج موضوع العقيدة، وتعنى بالتركيز على الأصول الثلاثة
لعقيدة الإِيمان وهي "الوحدانية، والنبوة، والبعث والنشور" كما هو الحال في
السور المكية.

* ابتدأت السورة الكريمة بذكر الكتاب الحكيم، معجزة
محمد الخالدة، الباقية الدائمة على مدى الزمان، وأقامت الحجج والبراهين
على وحدانية ربّ العالمين، وذكرت دلائل القدرة الباهرة، والإِبداع العجيب،
في هذا الكون الفسيح، المحكم النظام المتناسق في التكوين، في سمائه وأرضه،
وشمسه وقمره، ونهاره وليله، وفي جباله وبحاره، وأمواجه وأمطاره، ونباته
وأشجاره، وفي سائر ما يشاهده المرء من دلائل القدرة والوحدانية، مما يأخذ
بالقلب، ويبهر العقل، ويواجه الإِنسان مواجهةً جاهرة لا يملك معها إِلا
التسليم بقدرة الخالق العظيم.

* كما لفتت أنظار المشركين إِلى
دلائل القدرة والوحدانية منبثة في هذا الكون البديع، وهزت كيانهم هزاً
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ
بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.

* وختمت السورة الكريمة
بالتحذير من ذلك اليوم الرهيب الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون {يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ
وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا..} الآية.

التسميَة:

سميت
سورة لقمان لاشتمالها على قصة "لقمان الحكيم" التي تضمنت فضيلة الحكمة
وسرّ معرفة الله تعالى وصفاته، وذم الشرك، والأمر بمكارم الأخلاق، والنهي
عن القبائح والمنكرات وما تضمنته كذلك من الوصايا الثمينة التي أنطقه الله
بها، وكانت من الحكمة والرشاد بمكان!.

مميزات القرآن الكريم، ووصف المؤمنين به

{الم(1)تِلْكَ
ءاياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ(2)هُدًى وَرَحْمَةً
لِلْمُحْسِنِينَ(3)الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4)أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ
رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(5)}.

{الم} الحروف
المقطعة للتنبيه على إِعجاز القرآن، وللإِشارة إِلى أن هذا الكتاب المعجز
الذي أفحم العلماء والأدباء والفصحاء والبلغاء منظوم من أمثال هذه الحروف
الهجائية "ألف، لام، ميم" وهي في متناول أيدي الناطقين بالعربية، وهم
عاجزون أن يؤلفوا منها كتاباً مثل هذا الكتاب بعد التحدي والإِفحام، وهذا
من أظهر الدلائل وأوضح البراهين على أنه تنزيل الحكيم العليم {تِلْكَ
ءاياتُ الْكِتَابِ} أي هذه ءايات الكتاب البديع، الذي فاق كل كتاب في
بيانه، وتشريعه، وأحكامه {الْحَكِيمِ} أي ذي الحكمة الفائقة، والعجائب
الرائقة، الناطق بالحكمة والبيان، والإِشارة بالبعيد عن القريب "تلك"
للإِيذان ببعد منزلته في الفضل والشرف {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ}
أي هداية ورحمة للمحسنين الذين أحسنوا العمل في الدنيا، وإِنما خُصوا
بالذكر لأنهم هم المنتفعون بما فيه، ثم وضح تعالى صفاتهم فقال {الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} أي يؤدونها على الوجة الأكمل بأركانها وخشوعها
وآدابها {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي يدفعونها إلى مستحقيها طيبةً بها
نفوسهم ابتغاء مرضاة الله {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أي يصدّقون
بالدار الآخرة ويعتقدون بها اعتقاداً جازماً لا يخالطه شك ولا ارتياب،
وكرَّر الضمير "هم" للتأكيد وإِفادة الحصر {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ
رَبِّهِمْ} أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات الجليلة على نور وبصيرة، ومنهج
واضح سديد، من الله العزيز الحميد {وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} أي
هم الفائزون السعداء في الدنيا والآخرة، قال أبو حيان: وكرر الإِشارة
{وَأُوْلَئِكَ} تنبيهاً على عظم قدرهم وفضلهم.

حال الكفار المعرضين عن القرآن وبمقابلتهم المؤمنين

{وَمنْ
النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
مُهِينٌ(6)وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءاياتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ
لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ(7)إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ
جَنَّاتُ النَّعِيمِ(تفسير سورة لقمان كاملة Icon_coolخَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(9)}.

سبب
النزول: خرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال: نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية.
وأخرج جويبر عن ابن عباس قال: نزلت في النضر بن الحارث اشترى قَيْنة
(مغنية) وكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام، إلا انطلق به إلى قينته، فيقول:
أطعميه واسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه مُحمَّد من الصلاة والصيام،
وأن تقاتل بين يديه، فنزلت.

وقال مقاتل: نزلت في النضر بن الحارث،
كان يخرج تاجراً إلى فارس، فيشتري كتب الأعاجم، فيرويها ويحدِّث بها
قريشاً، ويقول لهم : إن محمداً صلى الله عليه وسلم يحدثكم حديث عاد وثمود،
وأنا أحدثكم حديث رُسْتُم واسِفنْديار، وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه،
ويتركون سماع القرآن.

ولما ذكر تعالى حال السعداء، الذين اهتدوا
بكتاب الله وانتفعوا بسماعه، عطف عليهم بذكر حال الأشقياء، الذي أعرضوا عن
الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع الغناء والمزامير فقال
{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} أي ومن الناس من يشتري
ما يُلهي عن طاعة الله، ويَصُد عن سبيله، مما لا خير ولا فائدة فيه، قال
الزمخشري: واللهو كل باطلٍ ألهى عن الخير، نحو السمر بالأساطير، والتحدث
بالخرافات المضحكة، وفضول الكلام وما لا ينبغي، وروى ابن جرير عن عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن الآية فقال: والله الذي لا إِله إِلا هو
-يكررها ثلاثاً- إِنما هو الغناء، وقال الحسن البصري: نزلت هذه الآية في
الغناء والمزامير {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي
ليُضل الناس عن طريق الهدى، ويُبعدهم عن دينه القويم، بغير حجة ولا برهان
{وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} أي ويتخذ ءايات الكتاب المجيد سخرية واستهزاءً،
وهذا أدْخَلُ في القبح، وأعْرَقُ في الضلال {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
مُهِينٌ} أي لهم عذاب شديد مع الذلة والهوان {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ
ءاياتُنَا} أي وإِذا قرئت عليه ءايات القرآن {وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ
لَمْ يَسْمَعْهَا} أي أعرض وأدبر متكبراً عنها كأنه لم يسمعها، شأن المتكبر
الذي لا يلتفت إلى الكلام، ويجعل نفسه كأنها غافلة {كَأَنَّ فِي
أُذُنَيْهِ وَقْرًا} أي كأن في أذنيه ثقلاً وصمماً يمنعانه عن استماع ءايات
الله {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي أنذره يا محمد بعذاب مؤلمٍ،
مفرطٍ في الشدة والإِيلام، ووضْع البشارة مكان الإِنذار تهكم وسخرية، قال
أبو حيّان: تضمنت هذه الآية ذمَّ المشتري من وجوه: التولية عن الحكمة، ثم
الاستكبار عن الحق، ثم عدم الالتفات إلى سماع الآيات، ثم الإِيغال في
الإِعراض مشبهاً حال من لم يسمعها، لكونه لا يلقي لها بالاً ولا يلتفت
إِليها، ثم التهكم به بالبشارة بأشد العذاب .. ولما ذكر ما وعد به الكفار
من العذاب الأليم، ذكر ما وعد به المؤمنين من جنات النعيم فقال {إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي جمعوا بين الإِيمان والعمل
الصالح، وبين حسن النيّة وإِخلاص العمل {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} أي
لهم على إِيمانهم واستقامتهم على شريعة الله جناتُ الخلد يتنعمون فيها
بأنواع الملاذّ، من المآكل والمشارب والملابس، والنساء والحور العين، وسائر
ما أكرمهم الله به من الفضل والإِنعام، مما لا عينٌ رأتْ ولا أُذُنٌ سمعت،
ولا خطر على قلب بشر {خَالِدِينَ فِيهَا} أي دائمين في تلك الجنات، لا
يخرجون منها أبداً، ولا يبغون عنها حولاً {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} أي وعداً
من الله قاطعاً، كائناً لا محالة، لا خلف فيه لأن الله لا يخلف الميعاد
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي هو تعالى العزيز الذي لا يغلبه شيء
ليمنعه عن إِنجاز وعده، الحكيم الذي لا يفعل إِلا ما تقتضيه الحكمة
والمصلحة.

خلق السماوات والأرض دليل على وحدانية الله

{خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ
رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ
زَوْجٍ كَرِيمٍ(10)هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ
الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ(11)}.

ثم
نبّه تعالى إِلى دلائل قدرته، وآثار عظمته وجلاله لإِقامة البراهين على
وحدانيته فقال {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أي خلق
السماوات في سعتها وعظمتها وإِحكامها بدون دعائم ترتكز عليها، حال كونكم
تشاهدونها كذلك واقفة من غير أن تستند على شيء، ولا تمسكها إِلا قدرة الله
العليّ الكبير {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي
جعل فيها جبالاً ثوابت لئلا تتحرك وتضطرب بكم فتهلككم بأن تقلبكم عن ظهرها،
أو تهدم بيوتكم بتزلزلها، قال الإِمام الفخر الرازي: واعلم أن الأرض
ثباتُها بسبب ثقلها، وإِلا كانت تزول عن موضعها بسبب المياه والرياح، ولو
خلقها تعالى مثل الرمل لما كانت تثبتُ للزراعة، كما نرى الأراضي الرملية
ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع، فهذه هي حكمة إِرسائها بالجبال،
فسبحان الكبير المتعال {وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} أي ونشر وفرَّق
في أرجاء الأرض من كل أنواع الحيوانات والدواب من مأكول ومركوب، مما لا
يعلم عدد أشكالها وألوانها إِلا الذي خلقها {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً} أي وأنزلنا لحفظكم وحفظ دوابكم المطر من السحاب {فَأَنْبَتْنَا
فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} أي فأنبتنا في الأرض من كل نوعٍ من النبات، ومن
كل صنفٍ من الأغذية والأدوية {كَرِيمٍ} أي كثير المنافع، بديع الخلق
والتكوين {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} أي هذا الذي تشاهدونه وتعاينونه أيها
المشركون هو من مخلوقات الله، فانظروا في السماوات والأرض، والإِنسان،
والنبات، والحيوان، وسائر ما خلق الله ثم تفكروا في آثار قدرته، وبديع
صنعته، ثم أخبروني {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}؟ أي
أيَّ شيءٍ خلقته آلهتكم التي عبدتموها من دون الله من الأوثان والأصنام؟
وهو سؤال على جهة التهكم والسخرية بهم وبآلهتهم المزعومة، ثم أضرب عن
تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال الواضح فقال {بَلْ الظَّالِمُونَ فِي
ضَلالٍ مُبِينٍ} أي بل المشركون في خسران ظاهر، وضلالٍ واضح ما بعده ضلال،
لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها، وعبدوا ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع
ولا يضر، فهم أضل من الحيوان الأعجم، لأن من عبد صنماً جامداً، وترك خالقاً
عظيماً مدبراً، يكون أحطَّ شأناً من الحيوان.

وصية لقمان الحكيم لابنه

{وَلَقَدْ
آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
حَمِيدٌ(12)وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ
لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ(13)وَوَصَّيْنَا
الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ
الْمَصِيرُ(14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ
تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي
السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
لَطِيفٌ خَبِيرٌ(16)يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الأُمُورِ(17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي
الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ(18)وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ
الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ(19)}.

{وَلَقَدْ آتَيْنَا
لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} أي والله لقد أعطينا لقمان الحكمة وهي الإصابة في
القول، والسَّداد في الرأي، والنطق بما يوافق الحق، قال مجاهد: الحكمة:
الفقه والعقل، والإِصابة في القول، ولم يكن نبياً إِنما كان حكيماً {أَنِ
اشْكُرْ لِلَّهِ} أي وقلنا له: اشكر الله على إِنعامه وإِفضاله عليك حيث
خصَّك بالحكمة وجعلها على لسانك، قال القرطبي: والصحيح الذي عليه الجمهور
أن "لقمان" كان حكيماً ولم يكن نبياً وفي الحديث (لم يكن لقمان نبياً، ولكن
كان عبداً كثير التفكر، حسن اليقين، أحبَّ الله تعالى فأحبَّه، فمنَّ عليه
بالحكمة) {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي ومن يشكر
ربه فثواب شكره راجع لنفسه، وفائدته إنما تعود عليه، لأن الله تعالى لا
ينفعه شكر من شكر، ولا يضره كفر من كفر ولهذا قال بعده {وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} أي ومن جحد نعمة الله فإِنما أساء إلى
نفسه، لأن الله مستغنٍ عن العباد، محمودٌ على كل حال، مستحقٌ للحمد لذاته
وصفاته، قال الرازي: المعنى أن الله غير محتاج إِلى شكر حتى يتضرَّر بكفر
الكافر، فهو في نفسه محمود سواء شكره الناس أم لم يشكروه، ثم ذكر تعالى بعض
نصائح لقمان لابنه وبدأ بالتحذير له من الشرك، الذي هو نهاية القبح
والشناعة فقال {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ
يَابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} أي واذكر لقومك موعظة لقمان الحكيم
لولده، حين قال له واعظاً ناصحاً مرشداً: يا بني كن عاقلاً ولا تشرك بالله
أحداً، بشراً أو صنماً أو ولداً {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} أي إِن
الشرك قبيح، وظلم صارخ لأنه وضعٌ للشيء في غير موضعه، فمن سوَّى بين
الخالق والمخلوق، وبين الإِله والصنم فهو -بلا شك- أحمق الناس، وأبعدهم عن
منطق العقل والحكمة، وحري به أن يوصف بالظلم ويجعل في عداد البهائم
{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} أي أمرناه بالإِحسان إِليهما لا
سيما الوالدة {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} أي حملته جنيناً
في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف، من حين الحمل إِلى حين الولادة،
لأن الحمل كلما ازداد وعظم، إِزدادت به ثقلاً وضعفاً {وَفِصَالُهُ فِي
عَامَيْنِ} أي وفطامه في تمام عامين {أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} أي
وقلنا له: اشكر ربك على نعمة الإِيمان والإِحسان، واشكر والديك على نعمة
التربية { إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي إِليَّ المرجع والمآب فأجازي المحسن على
إِحسانه، والمسيء على إِساءته، قال ابن جزي: وقوله {أَنْ اشْكُرْ} تفسيرٌ
للوصية، واعترض بينها وبين تفسيرها بقوله {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا
عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} ليبيّن ما تكابده الأم بالولد مما
يوجب عظيم حقها، ولذلك كان حقها أعظم من حق الأب { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى
أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي وإِن بذلا جهدهما،
وأقصى ما في وسعهما، ليحملاك على الكفر والإِشراك بالله فلا تطعهما، إذ لا
طاعة لمخلوق في معصية الخالق {فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي
الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} أي وصاحبهما في الحياة الدنيا بالمعروف والإِحسان
إِليهما -ولو كانا مشركين- لأن كفرهما بالله لا يستدعي ضياع المتاعب التي
تحمَّلاها في تربية الولد، ولا التنكر بالجميل {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ
أَنَابَ إِلَيَّ} أي واسلك طريق من رجع إلى الله بالتوحيد والطاعة والعمل
الصالح {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ} أي مرجع الخلق إِلى الله فيجازيهم على أعمالهم، والحكمةُ من
ذكر الوصية بالوالدين -ضمن وصايا لقمان- تأكيد ما أفادته الآية الأولى من
تقبيح أمر الشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} فكأنه تعالى يقول: مع
أننا وصينا الإِنسان بوالديه، وأمرناه بالإِحسان إِليهما والعطف عليهما،
وألزمناه طاعتهما بسبب حقهما العظيم عليه، مع كل هذا فقد نهيناه عن طاعتهما
في حالة الشرك والعصيان، لأن الإِشراك بالله من أعظم الذنوب، وهو في نهاية
القبح والشناعة .. ثم رجع الكلام إِلى وصايا لقمان فقال تعالى {يَا
بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} أي يا ولدي
إِن الخطيئة والمعصية مهما كانت صغيرة حتى ولو كانت وزن حبة الخردل في
الصغر {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ
يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} أي فتكن تلك السيئة -مع كونها في أقصى غايات الصغر-
في أخفى مكان وأحرزه، كجوف الصخرة الصماء، أو في أعلى مكان في السماء أو في
الأرض يحضرها الله سبحانه ويحاسب عليها، والغرض التمثيلُ بأن الله لا تخفى
عليه خافية من أعمال العباد { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} أي هو
سبحانه لطيف بالعباد خبير أي عالم ببواطن الأمور {يَا بُنَيَّ أَقِمْ
الصَّلاةَ} أي حافظ على الصلاة في أوقاتها وبخشوعها وآدابها {وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} أي وأمر الناس بكل خير وفضيلة،
وانههم عن كل شر ورذيلة {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} أي اصبر على المحن
والبلايا، لأنَّ الداعي إِلى الحق معرَّض لإِيصال الأذى إِليه، قال أبو
حيان: لما نهاه أولاً عن الشرك، وأخبره ثانياً بعلمه تعالى وباهر قدرته،
أمره بما يتوسل به إِلى الله من الطاعات، فبدأ بأشرفها وهي الصلاة، ثم
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بالصبر على ما يصيبه من المحن بسبب
الأمر بالمعروف، فكثيراً ما يُؤذى فاعل ذلك {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الأُمُورِ} أي إِن ذلك المذكور مما عزمه الله وأمر به، قال ابن عباس: من
حقيقة الإِيمان الصبر على المكاره، وقال الرازي: معناه إِن ذلك من الأمور
الواجبة المعزومة أي المقطوعة، فالمصدر بمعنى المفعول {وَلا تُصَعِّرْ
خَدَّكَ لِلنَّاسِ} أي لا تمل وجهك عنهم تكبراً عليهم، قال القرطبي: أي لا
تمل خدك للناس كبراً عليهم وإِعجاباً، وتحقيراً لهم، وهو قول ابن عباس
{وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} أي لا تمش متبختراً متكبراً {إِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} تعليلٌ للنهي أي لأن الله
يكره المتكبر الذي يرى العظمة لنفسه، ويتكبر على عباد الله، المتبختر في
مشيته، والفخور الذي يفتخر على غيره، ثم لما نهاه عن الخُلُق الذميم، أمره
بالخُلُق الكريم فقال {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي توسَّط في مشيتك واعتدل
فيها بين الإِسراع والبطء {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أي اخفض من صوتك فلا
ترفعه عالياً فإِنه قبيح لا يجمل بالعاقل {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أي إِن أوحش الأصوات صوتُ الحمير فمن رفع صوته كان
مماثلاً لهم،وأتى بالمنكر القبيح، قال الحسن: كان المشركون يتفاخرون برفع
الأصوات فرد عليهم بأنه لو كان خيراً لفضلتهم به الحمير، وقال قتادة: أقبح
الأصوات صوت الحمير، أوله زفير وآخره شهيق.

توبيخ المشركين على شركهم بالرغم من مشاهدتهم دلائل التوحيد

{أَلَمْ
تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنْ
النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا
كِتَابٍ مُنِيرٍ(20)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ
قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءاباءَنَا أَوَلَوْ كَانَ
الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ(21)}.

{أَلَمْ
تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الأَرْضِ} أي ألم تعلموا أيها الناس أن الله العظيم الجليل سخر لكم ما في
السماوات من شمس وقمر ونجوم لتنتفعوا بها، وسخَّر لكم ما في الأرض من جبالٍ
وأشجار وثمارٍ وأنهار وغير ذلك مما لا تُحصى {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ
نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} أي وأتمَّ عليكم أيها الناس نعمه العديدة،
الظاهرة المرئية كنعمة السمع والبصر والصحة والإِسلام، والباطنة الخفية
كالقلب والعقل والفهم والمعرفة وما أشبه ذلك، قال البيضاوي: أي أسبغ عليكم
نعمه المحسوسة والمعقولة، ما تعرفونه وما لا تعرفونه {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ
يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ}
أي ومن الناس فريق جاحدون يخاصمون ويجادلون في توحيد الله وصفاته بغير علم
ولا فهم، ولا حجة ولا برهان، ولا كتاب منزل من عند الله، قال القرطبي: نزلت
في يهودي جاء إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد: أخبرني عن ربك
من أيّ شيء هو؟ فجاءت صاعقةٌ فأخذته، والمنيرُ: الواضح البيّن المنقذ من
ظلمة الجهل والضلال {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ}
أي وإِذا قيل لهؤلاء المجادلين بالباطل اتبعوا ما أنزل الله على رسوله،
وصدّقوا به فإِنه يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال {قَالُوا بَلْ
نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابائَنَا} أي قالوا نسير على طريقة
ءابائنا ونقتدي بهم في عبادة الأوثان والأصنام {أَوَلَوْ كَانَ
الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} الاستفهام للإِنكار
والتوبيخ أي أيتبعونهم ولو كانوا ضالين، حتى ولو كان الشيطان يدعوهم إلى
النار المستعرة ذات العذاب الشديد؟

المُقبلون على الله هم الناجون والمعرضون عنه هم المعذبين

{وَمَنْ
يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ(22)وَمَنْ
كَفَرَ فلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ
بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(23)نُمَتِّعُهُمْ
قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ(24)}.

{وَمَنْ
يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ} أي ومن يقبل على طاعة الله وينقاد
لأوامره، ويخلص قصده وعبادته لله {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي وهو مؤمن موحد، قال
القرطبي: لأن العبادة من غير احسانٍ ولا معرفة القلب لا تنفع، ونظير الآية
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} فلا بدَّ من
الإِيمان والإِحسان {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} أي تمسك
بحبلٍ لا انقطاع له، وتعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب، قال الزمخشري:
هذا من باب التمثيل، مثلت حال المتوكل بحال من تدلى من شاهق فاحتاط لنفسه
بأن استمسك بأوثق عروة، من حبلٍ متين مأمونٍ انقطاعه، وقال الرازي: أوثق
العرى جانب الله، لأن كل ما عداه هالك منقطع، وهو باق لا انقطاع {وَإِلَى
اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} أي إِلى الله وحده -لا إِلى أحدٍ سواه- مرجع
ومصير الأمور كلها فيجازي العامل عليها أحسن الجزاء {وَمَنْ كَفَرَ فَلا
يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم أي لا يهمنك يا محمد
كفر من كفر، ولا ضلال من ضلَّ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإِنا سننتقم
منهم إِن عاجلاً أو آجلاً {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا
عَمِلُوا} أي إِلينا رجوعهم، فنخبرهم بأعمالهم التي عملوها في الدنيا
{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي عليم بما في قلوبهم من
المكر والكفر والتكذيب فيجازيهم عليها {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا} أي نبقيهم
في الدنيا مدة قليلة يتمتعون بها {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ
غَلِيظٍ} أي ثم نلجئهم في الآخرة إِلى عذاب شديد هو عذاب النار، الفظيع
الشاق على النفس.

إثبات وجود الله وسعة علمه وشمول قدرته على البعث وكل شيء

{وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ(25) لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ(26)وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ
وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ
كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(27)مَا خَلْقُكُمْ وَلا
بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ(28)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ(29)ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ
مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ
الْكَبِيرُ(30)أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ ءاياتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ
لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(31)وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ
دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى
الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ
خَتَّارٍ كَفُورٍ(32)}.

سبب النزول:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي
الأَرْضِ}: أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الروح، فأنزل الله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلْ
الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا
قَلِيلا} [الإسراء: 85] فقالوا: تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلاً، وقد
أوتينا التوراة وهي الحكمة، {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ
خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]، فنزلت: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ
مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} الآية.

وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن
عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا
قَلِيلا} [الإسراء: 85] فلما هاجر إلى المدينة أتاه أحبار يهود، فقالوا:
ألم يبلغنا عنك أنك تقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا}
إيانا تريد أم قومك؟ فقال: كُلاًّ عَنَيتُ، قالوا: فإنك تتلو أنا قد أوتينا
التوراة فيها تبيان كل شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي في علم
الله قليل، فأنزل الله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ
أَقْلامٌ}.

وأخرج أبو الشيخ ابن حيان الأنصاري في كتاب العظمة وابن
جرير عن قتادة قال: قال المشركون: إنما هذا كلام يوشك أن ينفد، فنزل:
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ} الآية.

{مَا خَلْقُكُمْ وَلا
بَعْثُكُمْ}: نزلت الآية في أبيّ بن خلَف وأبي بن الأسدين، ومُنَبِّه ونبيه
ابني الحجاج بن السباق، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قد
خلقنا أطواراً، نطفة ثم علقة ثم مضغة، ثم عِظاماً، ثم تقول: إنا نُبعث
خَلْقاً جديداً جميعاً في ساعة واحدة! فأنزل الله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ
وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}.

ثم لما بيَّن تعالى
استحقاقهم للعذاب، بيَّن تناقضهم في الدنيا وهو اعترافهم بأن الله خالق
السماوات والأرض، ومع هذا يعبدون معه شركاء يعترفون أنها ملك له وأنها
مخلوقاته فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من
كفار مكة من خلق السماوات والأرض؟ ليقولنَّ -لغاية وضوح الأمر- الله خلقهن
فقد اضطروا إِلى الاعتراف به {قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي قل لهم: الحمد
لله على ظهور الحجة عليكم، وعلى أن دلائل الإِيمان ظاهرة للعيان {بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي بل أكثر هؤلاء المشركين لا يفكّرون ولا
يتدبرون فلذلك لا يعلمون، ثم قال تعالى { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ} أي له جلَّ وعلا ما في الكائنات ملكاً وخلقاً وتدبيراً {إِنَّ
اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي المستغني عن خلقه وعن عبادتهم،
المحمود في صنعه وآلائه {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ
أَقْلامٌ} أي ولو أنَّ جميع أشجار الأرض جعلت أقلاماً {وَالْبَحْرُ
يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} أي وجعل البحر بسعته حبراً
ومداداً وأمده سبعة أبحر معه فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته
وجلاله {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} أي لانتهت وفنيت تلك الأقلام
والبحار وما انتهت كلمات الله، لأن الأشجار والبحار متناهية، وكلمات الله
غير متناهية، قال القرطبي: لما ذكر تعالى أنه سخر لهم ما في السماوات وما
في الأرض، وأنه أسبغ النعم، نبّه على أن الأشجار لو كانت أقلاماً، والبحار
لو كانت مداداً، فكتب بها عجائب صنع الله، الدالة على قدرته ووحدانيته لم
تنفد تلك العجائب، وقال ابن الجوزي: وفي الكلام محذوف تقديره: فكتب بهذه
الأقلام وهذهالبحوركلمات الله، لتكسرت الأقلام ونفدت البحور ولم تنفد كلمات
الله أي لم تنقطع {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي غالب لا يعجزه شيء،
حكيم لا يخرج عن علمه وحكمته أمر {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا
كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أي ما خلقكم أيها الناس ابتداءً، ولا بعثكم بعد الموت
انتهاءً إِلا كخلق نفس واحدة وبعثها، لأنه إِذا أراد شيئاً قال له: كن
فيكون، قال الصاوي: المعنى أن الله لا يصعب عليه شيء، بل خلق العالم وبعثه
برُمته كخلق نفسٍ واحدةٍ وبعثها { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أي سميع
لأقوال العباد، بصير بأعمالهم، ثم أشار تعالى إلى دلائل قدرته في الآفاق
فقال {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} أي ألم تعلم أيها المخاطب علماً قوياً
جارياً مجرى الرؤية، أن الله العظيم الجليل يدخل ظلمة الليل على ضوء
النهار، ويدخل ضوء النهار على ظلمة الليل، ويزيد في هذا ويُنقص من هذا حسب
الحكمة الأزلية {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى} أي ذلّلهما بالطلوع والأفول تقديراً للآجال، وإِتماماً
للمنافع، كلٌ منهما يسير في فلكه إِلى غاية محدودة هي يوم القيامة {وَأَنَّ
اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي وأنه تعالى عالم بأحوالكم وأعمالكم
لا تخفى عليه خافية، فإِن من شاهد مثل ذلك الصنع الرائق، والتدبير الفائق،
لا يكاد يغفل عن كون صانعه جل وعلا محيطاً بكل أعماله {ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} أي ذلك الذي شاهدتموه من عجائب الصنع وباهر القدرة،
لتتأكدوا أن الله هو الإِله الحق الذي يجب أن يعبد وحده {وَأَنَّ مَا
يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} أي وأن كل ما يعبدون من دون الله من
الأوثان والأصنام باطل لا حقيقة له كما قال لبيد: "ألا كل شيءٍ ما خلا الله
باطل" فالجميع خلقه وعبيده، ولا يملك أحدٌ منهم تحريك ذرةٍ إِلا بإِذنه
{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} أي وأنه تعالى هو العليُّ في
صفاته، الكبير في ذاته {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} تذكيرٌ بنعمة أُخرى أي ألم تر أيها العاقل
أن السفن العظيمة تسير في البحر بقدرة الله، وبتسخيره ولطفه بالناس
وإِحسانه إِليهم، لتهيئة أسباب الحياة، قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه هو
الذي سخَّر البحر لتجري فيه الفلك بأمره أي بلطفه وتسخيره، فإنه لولا ما
جعل في الماء من قوةٍ يحمل بها السفن ما جرت، ولهذا قال بعده {لِيُرِيَكُمْ
مِنْ ءاياتِهِ} أي ليريكم عجائب صنعه، ودلائل قدرته ووحدانيته {إِنَّ فِي
ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي إِن في تسخير هذه السفن وما
تحمله من الطعام والأرزاق والتجارات، لآيات باهرة، وعبراً جليلة لكل عبد
منيب، صبَّار في الضراء، شكور في الرخاء. ولفظة "صبَّار" و"شكور" مبالغة في
الصبر والشكر {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} أي وإِذا علا
المشركين وغطّاهم وهم في البحر موج كثيف كالجبال {دَعَوْا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي أخلصوا دعاءهم لله حين علموا أنه لا منجي
لهم غيره فلا يدعون لخلاصهم سواه {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} أي
فلما أنقذهم من شدائد البحر، وأخرجهم إِلى شاطئ النجاة في البر {فَمِنْهُمْ
مُقْتَصِدٌ} في الآية حذف تقديره فمنهم مقتصد، ومنهم جاحد، ودلَّ عليه
قوله {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا} والمقتصد: المتوسط في العمل، قال ابن
كثير: وهذا من باب الإِنكار على من شاهد تلك الأهوال، والأمور العظام، ورأى
الآيات الباهرة في البحر، ثم بعدما أنعم الله عليه بالخلاص كان ينبغي أن
يقابل ذلك بالعمل التام، والمبادرة إِلى الخيرات، والدؤوب في العبادات، فمن
اقتصد بعد ذلك كان مقصّراً {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ
خَتَّارٍ كَفُورٍ} أي وما يكذب بآياتنا إِلا كل غدَّار، مبالغ في كفران نعم
الله تعالى.

الأمر بتقوى الله، وبيان مفاتيح الغيب

{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي
وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ(33)إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ
عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ
أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(34)}.

سبب
النزول:أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: جاء رجل من أهل البادية
هو الحارث بن عمرو، فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني بما تلد، وبلادنا
مُجْدِبة فأخبرني متى ينزل الغيث، وقد علمتُ متى وُلدتُ فأخبرني متى أموتُ؟
فأنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية.

{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ } أي اتقوا ربكم بامتثال أوامره،
واجتناب نواهيه {وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} أي
وخافوا يوماً رهيباً عصيباً لا ينفع والد فيه ولده، ولا يدفع عنه مضرةً، أو
يقضي عنه شيئاً مما تحمَّله {وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ
شَيْئًا} أي ولا ولدٌ يغني أو يدفع عن والده شيئاً، أو يقضي عنه شيئاً من
جنايته ومظالمه، قال الطبري: المعنى لا يغني ولا تنفع عنده الشفاعة
والوسائل، إلا وسيلة من صالح الأعمال التي أسلفها في الدنيا {إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ} أي وعده بالثواب والعقاب، والبعث والجزاء حقٌ لا يتخلف
{فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي لا تخدعكم الحياة الدنيا
بمفاتنها ولذاتها فتركنوا إِليها {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ
الْغَرُورُ} أي ولا يخدعنكم الشيطان الماكر الذي يغر الخلق ويمنيهم
بأباطيله ويلهيهم عن الآخرة {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}
هذه هي مفاتح الغيب التي اختص الله بعلمها وهي خمس كما جاء في الحديث
الصحيح (مفاتح الغيب خمسٌ لا يعلمهن إِلا الله وتلا الآية) أي عنده تعالى
معرفة وقت قيام الساعة التي تقوم فيها القيامة {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} أي
وعنده معرفة وقت نزول المطر ومحل نزوله { وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ}
أي من ذكرٍ أو أنثى، شقي أو سعيد {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ
غَدًا} أي ما يدري أحد ماذا يحدث له في غد، وماذا يفعل من خير أو شر {وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} أي كما لا يدري أحدٌ أين يموت.
ولا في أي مكانٍ يُقبر {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} أي مبالغ في العلم،
يعلم كل الأمور، خبير بظواهر الأشياء وبواطنها لا يخفى عليه شيء في الأرض
ولا في السماء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
abdelhalim berri
المدير العام
المدير العام
abdelhalim berri


الإسم الحقيقي : Abdelhalim BERRI
البلد : Royaume du Maroc

عدد المساهمات : 17537
التنقيط : 96832
العمر : 64
تاريخ التسجيل : 11/08/2010
الجنس : ذكر

تفسير سورة لقمان كاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة لقمان كاملة   تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالخميس 24 نوفمبر 2011, 17:50

تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224
تفسير سورة لقمان كاملة 2753292369 تفسير سورة لقمان كاملة 2753292369 تفسير سورة لقمان كاملة 2753292369 تفسير سورة لقمان كاملة 2753292369
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://halimb.yoo7.com
alaa eddine
عضو متّألق
عضو متّألق
alaa eddine


الإسم الحقيقي : ALAA EDDINE KENNOU
البلد : MAROC

عدد المساهمات : 9594
التنقيط : 74823
العمر : 28
تاريخ التسجيل : 11/10/2010
الجنس : ذكر

تفسير سورة لقمان كاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة لقمان كاملة   تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالخميس 24 نوفمبر 2011, 19:10

تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224 تفسير سورة لقمان كاملة 4255278224
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://halimb.yoo7.com
khawla haddar3/7
مشرفة
مشرفة
khawla haddar3/7


الإسم الحقيقي : khaoula haddar3/7
البلد : maroc

عدد المساهمات : 468
التنقيط : 49151
العمر : 27
تاريخ التسجيل : 17/10/2011
الجنس : انثى

تفسير سورة لقمان كاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة لقمان كاملة   تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالخميس 24 نوفمبر 2011, 23:55

تفسير سورة لقمان كاملة 3218392097 تفسير سورة لقمان كاملة 3218392097 تفسير سورة لقمان كاملة 3218392097 تفسير سورة لقمان كاملة 4180896647 تفسير سورة لقمان كاملة 4180896647 تفسير سورة لقمان كاملة 4180896647 تفسير سورة لقمان كاملة 3977328683 تفسير سورة لقمان كاملة 3977328683 تفسير سورة لقمان كاملة 3977328683
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ana wac
عضو مميز
عضو مميز
ana wac


الإسم الحقيقي : achraf
البلد : Maroc

عدد المساهمات : 91
التنقيط : 47731
العمر : 25
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الجنس : ذكر

تفسير سورة لقمان كاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة لقمان كاملة   تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالثلاثاء 20 ديسمبر 2011, 17:28

:kkjjhhhg:

31- تفسيرسورة لقمان عدد آياتها 34 ( آية 1-34 )
وهي مكية

{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

يشير تعالى إشارة دالة على التعظيم إلى { آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } أي: آياته محكمة، صدرت من حكيم خبير.

من إحكامها، أنها جاءت بأجل الألفاظ وأفصحها، وأبينها، الدالة على أجل المعاني وأحسنها.

ومن إحكامها، أنها محفوظة من التغيير والتبديل، والزيادة والنقص، والتحريف.

ومن إحكامها: أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة، والأمور الغيبية كلها، مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية، ولم يخبر بخلافها، نبي من الأنبياء، [ولم يأت ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح، يناقض ما دلت عليه]

ومن إحكامها: أنها ما أمرت بشيء، إلا وهو خالص المصلحة، أو راجحها، ولا نهت عن شيء، إلا وهو خالص المفسدة أو راجحها، وكثيرا ما يجمع بين الأمر بالشيء، مع ذكر [حكمته] فائدته، والنهي عن الشيء، مع ذكر مضرته.

ومن إحكامها: أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، والوعظ البليغ، الذي تعتدل به النفوس الخيرة، وتحتكم، فتعمل بالحزم.

ومن إحكامها: أنك تجد آياته المتكررة، كالقصص، والأحكام ونحوها، قد اتفقت كلها وتواطأت، فليس فيها تناقض، ولا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا، وأعمل فيها العقل تفكرا، انبهر عقله، وذهل لبه من التوافق والتواطؤ، وجزم جزما لا يمترى فيه، أنه تنزيل من حكيم حميد.

ولكن - مع أنه حكيم - يدعو إلى كل خلق كريم، وينهى عن كل خلق لئيم، أكثر الناس محرومون الاهتداء به، معرضون عن الإيمان والعمل به، إلا من وفقه اللّه تعالى وعصمه، وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق.

فإنه { هُدًى } لهم، يهديهم إلى الصراط المستقيم، ويحذرهم من طرق الجحيم، { وَرَحْمَة } لهم، تحصل لهم به السعادة في الدنيا والآخرة، والخير الكثير، والثواب الجزيل، والفرح والسرور، ويندفع عنهم الضلال والشقاء.

ثم وصف المحسنين بالعلم التام، وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب اللّه، فيتركون معاصيه، ووصفهم بالعمل، وخص من العمل، عملين فاضلين: الصلاة المشتملة على الإخلاص، ومناجاة اللّه تعالى، والتعبد العام للقلب واللسان، والجوارح المعينة، على سائر الأعمال، والزكاة التي تزكي صاحبها من الصفات الرذيلة، وتنفع أخاه المسلم، وتسد حاجته، ويبين بها أن العبد يؤثر محبة اللّه على محبته للمال، فيخرجه محبوبه من المال، لما هو أحب إليه، وهو طلب مرضاة اللّه.

فـ { أُولَئِكَ } هم المحسنون الجامعون بين العلم التام، والعمل { عَلَى هُدًى } أي: عظيم كما يفيده التنكير، وذلك الهدى حاصل لهم، وواصل إليهم { مِنْ رَبِّهِمْ } الذي لم يزل يربيهم بالنعم; ويدفع عنهم النقم.

وهذا الهدى الذي أوصله إليهم، من تربيته الخاصة بأوليائه، وهو أفضل أنواع التربية. { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الذين أدركوا رضا ربهم، وثوابه الدنيوي والأخروي، وسلموا من سخطه وعقابه، وذلك لسلوكهم طريق الفلاح، الذي لا طريق له غيرها.

ولما ذكر تعالى المهتدين بالقرآن، المقبلين عليه، ذكر من أعرض عنه، ولم يرفع به رأسا، وأنه عوقب على ذلك، بأن تعوض عنه كل باطل من القول، فترك أعلى الأقوال، وأحسن الحديث، واستبدل به أسفل قول وأقبحه، فلذلك قال:


{ 6 - 9 } { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

أي: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ } هو محروم مخذول { يَشْتَرِي } أي: يختار ويرغب رغبة من يبذل الثمن في الشيء. { لَهْوَ الْحَدِيثِ } أي: الأحاديث الملهية للقلوب، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب. فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو، وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر، والفسوق، والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة، ونميمة، وكذب، وشتم، وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا.

فهذا الصنف من الناس، يشتري لهو الحديث، عن هدي الحديث { لِيُضِلَّ } الناس { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: بعدما ضل بفعله، أضل غيره، لأن الإضلال، ناشئ عن الضلال.

وإضلاله في هذا الحديث; صده عن الحديث النافع، والعمل النافع، والحق المبين، والصراط المستقيم.

ولا يتم له هذا، حتى يقدح في الهدى والحق، ويتخذ آيات اللّه هزوا ويسخر بها، وبمن جاء بها، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه، والقدح في الحق، والاستهزاء به وبأهله، أضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه إليه، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال، ولا يعرف حقيقته.

{ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } بما ضلوا وأضلوا، واستهزءوا [بآيات اللّه] وكذبوا الحق الواضح.

ولهذا قال { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا } ليؤمن بها وينقاد لها، { وَلَّى مُسْتَكْبِرًا } أي: أدبر إدبار مستكبر عنها، رادٍّ لها، ولم تدخل قلبه ولا أثرت فيه، بل أدبر عنها { كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا } بل { كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا } أي: صمما لا تصل إليه الأصوات; فهذا لا حيلة في هدايته.

{ فَبَشِّرْهُ } بشارة تؤثر في قلبه الحزن والغم; وفي بشرته السوء والظلمة والغبرة. { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } مؤلم لقلبه; ولبدنه; لا يقادر قدره; ولا يدرى بعظيم أمره، وهذه بشارة أهل الشر، فلا نِعْمَتِ البشارة.

وأما بشارة أهل الخير فقال: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } جمعوا بين عبادة الباطن بالإيمان، والظاهر بالإسلام، والعمل الصالح.

{ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ } بشارة لهم بما قدموه، وقرى لهم بما أسلفوه. { خَالِدِينَ فِيهَا } أي: في جنات النعيم، نعيم القلب والروح، والبدن.

{ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا } لا يمكن أن يخلف، ولا يغير، ولا يتبدل. { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } كامل العزة، كامل الحكمة، من عزته وحكمته، وفق من وفق، وخذل من خذل، بحسب ما اقتضاه علمه فيهم وحكمته.

{ 10 - 11 } { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

يتلو تعالى على عباده، آثارا من آثار قدرته، وبدائع من بدائع حكمته، ونعما من آثار رحمته، فقال: { خَلْقِ السَّمَاوَاتِ } السبع على عظمها، وسعتها، وكثافتها، وارتفاعها الهائل. { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } أي: ليس لها عمد، ولو كان لها عمد لرئيت، وإنما استقرت واستمسكت، بقدرة اللّه تعالى.

{ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ } أي: جبالا عظيمة، ركزها في أرجائها وأنحائها، لئلا { تَمِيدَ بِكُمْ } فلولا الجبال الراسيات لمادت الأرض، ولما استقرت بساكنيها.

{ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ } أي: نشر في الأرض الواسعة، من جميع أصناف الدواب، التي هي مسخرة لبني آدم، ولمصالحهم، ومنافعهم. ولما بثها في الأرض، علم تعالى أنه لا بد لها من رزق تعيش به، فأنزل من السماء ماء مباركا، { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } المنظر، نافع مبارك، فرتعت فيه الدواب المنبثة، وسكن إليه كل حيوان.

{ هَذَا } أي: خلق العالم العلوي والسفلي، من جماد، وحيوان، وسَوْقِ أرزاق الخلق إليهم { خَلق اللَّه } وحده لا شريك له، كل مقر بذلك حتى أنتم يا معشر المشركين.

{ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } أي: الذين جعلتموهم له شركاء، تدعونهم وتعبدونهم، يلزم على هذا، أن يكون لهم خلق كخلقه، ورزق كرزقه، فإن كان لهم شيء من ذلك فأرونيه، ليصح ما ادعيتم فيهم من استحقاق العبادة.

ومن المعلوم أنهم لا يقدرون أن يروه شيئا من الخلق لها، لأن جميع المذكورات، قد أقروا أنها خلق اللّه وحده، ولا ثَمَّ شيء يعلم غيرها، فثبت عجزهم عن إثبات شيء لها تستحق به أن تعبد.

ولكن عبادتهم إياها، عن غير علم وبصيرة، بل عن جهل وضلال، ولهذا قال: { بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي: جَلِيٍّ واضح حيث عبدوا من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وتركوا الإخلاص للخالق الرازق المالك لكل الأمور.

{ 12 - 19 } { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إلى آخر القصة.

يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان، بالحكمة، وهي العلم [بالحق] على وجهه وحكمته، فهي العلم بالأحكام، ومعرفة ما فيها من الأسرار والإحكام، فقد يكون الإنسان عالما، ولا يكون حكيما.

وأما الحكمة، فهي مستلزمة للعلم، بل وللعمل، ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع، والعمل الصالح.

ولما أعطاه اللّه هذه المنة العظيمة، أمره أن يشكره على ما أعطاه، ليبارك له فيه، وليزيده من فضله، وأخبره أن شكر الشاكرين، يعود نفعه عليهم، وأن من كفر فلم يشكر اللّه، عاد وبال ذلك عليه. والله غني [عنه] حميد فيما يقدره ويقضيه، على من خالف أمره، فغناه تعالى، من لوازم ذاته، وكونه حميدا في صفات كماله، حميدا في جميل صنعه، من لوازم ذاته، وكل واحد من الوصفين، صفة كمال، واجتماع أحدهما إلى الآخر، زيادة كمال إلى كمال.

واختلف المفسرون، هل كان لقمان نبيا، أو عبدا صالحا؟ واللّه تعالى لم يذكر عنه إلا أنه آتاه الحكمة، وذكر بعض ما يدل على حكمته في وعظه لابنه، فذكر أصول الحكمة وقواعدها الكبار فقال: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ }

أو قال له قولا به يعظه بالأمر، والنهي، المقرون بالترغيب والترهيب، فأمره بالإخلاص، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له السبب في ذلك فقال: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ووجه كونه عظيما، أنه لا أفظع وأبشع ممن سَوَّى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئا، بمن له الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوَّى من لم ينعم بمثقال ذرة [من النعم] بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم، ودنياهم وأخراهم، وقلوبهم، وأبدانهم، إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟؟!

وهل أعظم ظلما ممن خلقه اللّه لعبادته وتوحيده، فذهب بنفسه الشريفة، [فجعلها في أخس المراتب] جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا، فظلم نفسه ظلما كبيرا.

ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ } أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه { بِوَالِدَيْهِ } وقلنا له: { اشْكُرْ لِي } بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي. { وَلِوَالِدَيْكَ } بالإحسان إليهما بالقول اللين، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما] وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل.

فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن { إِلَيَّ الْمَصِيرُ } أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟.

ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الأم، فقال: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ } أي: مشقة على مشقة، فلا تزال تلاقي المشاق، من حين يكون نطفة، من الوحم، والمرض، والضعف، والثقل، وتغير الحال، ثم وجع الولادة، ذلك الوجع الشديد.

ثم { فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها، أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد، مع شدة الحب، أن يؤكد على ولده، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه؟

{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ } أي: اجتهد والداك { عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا } ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما، لأن حق اللّه، مقدم على حق كل أحد، و "لا طاعة لمخلوق، في معصية الخالق"

ولم يقل: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما" بل قال: { فَلَا تُطِعْهُمَا } أي: بالشرك، وأما برهما، فاستمر عليه، ولهذا قال: { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي، فلا تتبعهما.

{ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } وهم المؤمنون باللّه، وملائكته وكتبه، ورسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه.

واتباع سبيلهم، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى اللّه، ثم يتبعها سعي البدن، فيما يرضي اللّه، ويقرب منه.

{ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } الطائع والعاصي، والمنيب، وغيره { فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فلا يخفى على اللّه من أعمالهم خافية.

{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } التي هي أصغر الأشياء وأحقرها، { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أي في وسطها { أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ } في أي جهة من جهاتهما { يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } لسعة علمه، وتمام خبرته وكمال قدرته، ولهذا قال: { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي: لطف في علمه وخبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار، وخفايا القفار والبحار.

والمقصود من هذا، الحث على مراقبة اللّه، والعمل بطاعته، مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح، قَلَّ أو كَثُرَ.

{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ } حثه عليها، وخصها لأنها أكبر العبادات البدنية، { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ } وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه.

والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلا به، من الرفق، والصبر، وقد صرح به في قوله: { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ } ومن كونه فاعلا لما يأمر به، كافًّا لما ينهى عنه، فتضمن هذا، تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه.

ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال: { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ } الذي وعظ به لقمان ابنه { مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } أي: من الأمور التي يعزم عليها، ويهتم بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم.

{ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } أي: لا تُمِلْهُ وتعبس بوجهك الناس، تكبُّرًا عليهم، وتعاظما.

{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا } أي: بطرا، فخرا بالنعم، ناسيا المنعم، معجبا بنفسك. { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ } في نفسه وهيئته وتعاظمه { فَخُور } بقوله.

{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي: امش متواضعا مستكينا، لا مَشْيَ البطر والتكبر، ولا مشي التماوت.

{ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ } أدبا مع الناس ومع اللّه، { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ } أي أفظعها وأبشعها { لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار، الذي قد علمت خسته وبلادته.

وهذه الوصايا، التي وصى بها لقمان لابنه، تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها، إن كانت أمرا، وإلى تركها إن كانت نهيا.

وهذا يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة، أنها العلم بالأحكام، وحِكَمِها ومناسباتها، فأمره بأصل الدين، وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له الموجب لتركه، وأمره ببر الوالدين، وبين له السبب الموجب لبرهما، وأمره بشكره وشكرهما، ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما، ما لم يأمرا بمعصية، ومع ذلك فلا يعقهما، بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمره بمراقبة اللّه، وخوَّفه القدوم عليه، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر، إلا أتى بها.

ونهاه عن التكبر، وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر، والمرح، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك.

وأمره بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر، كما قال تعالى: فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا، أن يكون مخصوصا بالحكمة، مشهورا بها. ولهذا من منة اللّه عليه وعلى سائر عباده، أن قص عليهم من حكمته، ما يكون لهم به أسوة حسنة.

{ 20 - 21 } { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }

يمتن تعالى على عباده بنعمه، ويدعوهم إلى شكرها ورؤيتها; وعدم الغفلة عنها فقال: { أَلَمْ تَرَوْا } أي: تشاهدوا وتبصروا بأبصاركم وقلوبكم، { أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ } من الشمس والقمر والنجوم، كلها مسخرات لنفع العباد.

{ وَمَا فِي الْأَرْضِ } من الحيوانات والأشجار والزروع، والأنهار والمعادن ونحوها كما قال تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }

{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ } أي: عمّكم وغمركم نعمه الظاهرة والباطنة التي نعلم بها; والتي تخفى علينا، نعم الدنيا، ونعم الدين، حصول المنافع، ودفع المضار، فوظيفتكم أن تقوموا بشكر هذه النعم; بمحبة المنعم والخضوع له; وصرفها في الاستعانة على طاعته، وأن لا يستعان بشيء منها على معصيته.

{ و } لكن مع توالي هذه النعم; { مِنَ النَّاسِ مَنْ } لم يشكرها; بل كفرها; وكفر بمن أنعم بها; وجحد الحق الذي أنزل به كتبه; وأرسل به رسله، فجعل { يُجَادِلُ فِي اللَّهِ } أي: يجادل عن الباطل; ليدحض به الحق; ويدفع به ما جاء به الرسول من الأمر بعبادة اللّه وحده، وهذا المجادل على غير بصيرة، فليس جداله عن علم، فيترك وشأنه، ويسمح له في الكلام { وَلَا هُدًى } يقتدي به بالمهتدين { وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } [غير مبين للحق فلا معقول ولا منقول ولا اقتداء بالمهتدين] وإنما جداله في اللّه مبني على تقليد آباء غير مهتدين، بل ضالين مضلين.

ولهذا قال: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } على أيدي رسله، فإنه الحق، وبينت لهم أدلته الظاهرة { قَالُوا } معارضين ذلك: { بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } فلا نترك ما وجدنا عليه آباءنا لقول أحد كائنا من كان.

قال تعالى في الرد عليهم وعلى آبائهم: { أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } فاستجاب له آباؤهم، ومشوا خلفه، وصاروا من تلاميذ الشيطان، واستولت عليهم الحيرة.

فهل هذا موجب لاتباعهم لهم ومشيهم على طريقتهم، أم ذلك يرهبهم من سلوك سبيلهم، وينادي على ضلالهم، وضلال من اتبعهم.

وليس دعوة الشيطان لآبائهم ولهم، محبة لهم ومودة، وإنما ذلك عداوة لهم ومكر بهم، وبالحقيقة أتباعه من أعدائه، الذين تمكن منهم وظفر بهم، وقرت عينه باستحقاقهم عذاب السعير، بقبول دعوته.


{ 22 - 24 } { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ * وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ }

{ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ } أي: يخضع له وينقاد له بفعل الشرائع مخلصا له دينه. { وَهُوَ مُحْسِنٌ } في ذلك الإسلام بأن كان عمله مشروعا، قد اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.

أو: ومن يسلم وجهه إلى اللّه، بفعل جميع العبادات، وهو محسن فيها، بأن يعبد اللّه كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فإنه يراه.

أو ومن يسلم وجهه إلى اللّه، بالقيام بحقوقه، وهو محسن إلى عباد اللّه، قائم بحقوقهم.

والمعاني متلازمة، لا فرق بينها إلا من جهة [اختلاف] مورد اللفظتين، وإلا فكلها متفقة على القيام بجميع شرائع الدين، على وجه تقبل به وتكمل، فمن فعل ذلك فقد أسلم و { اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } أي: بالعروة التي من تمسك بها، توثق ونجا، وسلم من الهلاك، وفاز بكل خير.

ومن لم يسلم وجهه للّه، أو لم يحسن لم يستمسك بالعروة الوثقى، وإذا لم يستمسك بالعروة الوثقى لم يكن ثَمَّ إلا الهلاك والبوار. { وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } أي: رجوعها وموئلها ومنتهاها، فيحكم في عباده، ويجازيهم بما آلت إليه أعمالهم، ووصلت إليه عواقبهم، فليستعدوا لذلك الأمر.

{ وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ } لأنك أديت ما عليك، من الدعوة والبلاغ، فإذا لم يهتد، فقد وجب أجرك على اللّه، ولم يبق للحزن موضع على عدم اهتدائه، لأنه لو كان فيه خير، لهداه اللّه.

ولا تحزن أيضا، على كونهم تجرأوا عليك بالعداوة، ونابذوك المحاربة، واستمروا على غيهم وكفرهم، ولا تتحرق عليهم، بسبب أنهم ما بودروا بالعذاب.

فإن { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا } من كفرهم وعداوتهم، وسعيهم في إطفاء نور اللّه وأذى رسله.

{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } التي ما نطق بها الناطقون، فكيف بما ظهر، وكان شهادة؟"

{ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا } في الدنيا، ليزداد إثمهم، ويتوفر عذابهم، { ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ } أي: [نلجئهم] { إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي: انتهى في عظمه وكبره، وفظاعته، وألمه، وشدته.


{ 25 - 28 } { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

أي: ولئن سألت هؤلاء المشركين المكذبين بالحق { مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } لعلموا أن أصنامهم، ما خلقت شيئا من ذلك ولبادروا بقولهم الله الذي خلقهما وحده.

فـ { قُلِ } لهم ملزما لهم، ومحتجا عليهم بما أقروا به، على ما أنكروا: { الْحَمْدُ لِلَّهِ } الذي بيَّن النور، وأظهر الاستدلال عليكم من أنفسكم، فلو كانوا يعلمون، لجزموا أن المنفرد بالخلق والتدبير، هو الذي يفرد بالعبادة والتوحيد.

ولكن { أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } فلذلك أشركوا به غيره، ورضوا بتناقض ما ذهبوا إليه، على وجه الحيرة والشك، لا على وجه البصيرة، ثم ذكر في هاتين الآيتين نموذجا من سعة أوصافه، ليدعو عباده إلى معرفته، ومحبته، وإخلاص الدين له.

فذكر عموم ملكه، وأن جميع ما في السماوات والأرض - وهذا شامل لجميع العالم العلوي والسفلي - أنه ملكه، يتصرف فيهم بأحكام الملك القدرية، وأحكامه الأمرية، وأحكامه الجزائية، فكلهم عييد مماليك، مدبرون مسخرون، ليس لهم من الملك شيء، وأنه واسع الغنى، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه أحد من الخلق. { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }

وأن أعمال النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، لا تنفع اللّه شيئا وإنما تنفع عامليها، واللّه غني عنهم، وعن أعمالهم، ومن غناه، أن أغناهم وأقناهم في دنياهم وأخراهم.

ثم أخبر تعالى عن سعة حمده، وأن حمده من لوازم ذاته، فلا يكون إلا حميدا من جميع الوجوه، فهو حميد في ذاته، وهو حميد في صفاته، فكل صفة من صفاته، يستحق عليها أكمل حمد وأتمه، لكونها صفات عظمة وكمال، وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه، وجميع ما أمر به ونهى عنه يحمد عليه، وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد، في الدنيا والآخرة، يحمد عليه.

ثم أخبر عن سعة كلامه وعظمة قوله، بشرح يبلغ من القلوب كل مبلغ، وتنبهر له العقول، وتحير فيه الأفئدة، وتسيح في معرفته أولو الألباب والبصائر، فقال: { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ } يكتب بها { وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } مدادا يستمد بها، لتكسرت تلك الأقلام ولفني ذلك المداد، و لم تنفد { كَلِمَاتُ اللَّهِ } تعالى، وهذا ليس مبالغة لا حقيقة له، بل لما علم تبارك وتعالى، أن العقول تتقاصر عن الإحاطة ببعض صفاته، وعلم تعالى أن معرفته لعباده، أفضل نعمة، أنعم بها عليهم، وأجل منقبة حصلوها، وهي لا تمكن على وجهها، ولكن ما لا يدرك كله، لا يترك كله، فنبههم تعالى تنبيها تستنير به قلوبهم، وتنشرح له صدورهم، ويستدلون بما وصلوا إليه إلى ما لم يصلوا إليه، ويقولون كما قال أفضلهم وأعلمهم بربه: "لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" وإلا، فالأمر أجل من ذلك وأعظم.

وهذا التمثيل من باب تقريب المعنى، الذي لا يطاق الوصول إليه إلى الأفهام والأذهان، وإلا فالأشجار، وإن تضاعفت على ما ذكر، أضعافا كثيرة، والبحور لو امتدت بأضعاف مضاعفة، فإنه يتصور نفادها وانقضاؤها، لكونها مخلوقة.

وأما كلام اللّه تعالى، فلا يتصور نفاده، بل دلنا الدليل الشرعي والعقلي، على أنه لا نفاد له ولا منتهى، وكل شيء ينتهي إلا الباري وصفاته { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى }

وإذا تصور العقل حقيقة أوليته تعالى وآخريته، وأنه كل ما فرضه الذهن من الأزمان السابقة، مهما تسلسل الفرض والتقدير، فهو تعالى قبل ذلك إلى غير نهاية، وأنه مهما فرضه الذهن والعقل، من الأزمان المتأخرة، وتسلسل الفرض والتقدير، وساعد على ذلك من ساعد، بقلبه ولسانه، فاللّه تعالى بعد ذلك إلى غير غاية ولا نهاية.

واللّه في جميع الأوقات يحكم، ويتكلم، ويقول، ويفعل كيف أراد، وإذا أراد لا مانع له من شيء من أقواله وأفعاله، فإذا تصور العقل ذلك، عرف أن المثل الذي ضربه اللّه لكلامه، ليدرك العباد شيئا منه، وإلا، فالأمر أعظم وأجل.

ثم ذكر جلالة عزته وكمال حكمته فقال: { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي: له العزة جميعا، الذي ما في العالم العلوي والسفلي من القوة إلا منه، أعطاها للخلق، فلا حول ولا قوة إلا به، وبعزته قهر الخلق كلهم، وتصرف فيهم، ودبرهم، وبحكمته خلق الخلق، وابتدأه بالحكمة، وجعل غايته والمقصود منه الحكمة، وكذلك الأمر والنهي وجد بالحكمة، وكانت غايته المقصودة الحكمة، فهو الحكيم في خلقه وأمره.

ثم ذكر عظمة قدرته وكمالها وأنه لا يمكن أن يتصورها العقل فقال: { مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهذا شيء يحير العقول، إن خلق جميع الخلق - على كثرتهم وبعثهم بعد موتهم، بعد تفرقهم في لمحة واحدة - كخلقه نفسا واحدة، فلا وجه لاستبعاد البعث والنشور، والجزاء على الأعمال، إلا الجهل بعظمة اللّه وقوة قدرته.

ثم ذكر عموم سمعه لجميع المسموعات، وبصره لجميع المبصرات فقال: { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

{ 29 - 30 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }

وهذا فيه أيضا، انفراده بالتصرف والتدبير، وسعة تصرفه بإيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل، أي: إدخال أحدهما على الآخر، فإذا دخل أحدهما، ذهب الآخر.

وتسخيره للشمس والقمر، يجريان بتدبير ونظام، لم يختل منذ خلقهما، ليقيم بذلك من مصالح العباد ومنافعهم، في دينهم ودنياهم، ما به يعتبرون وينتفعون.

و { كُلّ } منهما { يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } إذا جاء ذلك الأجل، انقطع جريانهما، وتعطل سلطانهما، وذلك في يوم القيامة، حين تكور الشمس، ويخسف القمر، وتنتهي دار الدنيا، وتبتدئ الدار الآخرة.

{ وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ } من خير وشر { خَبِيرٌ } لا يخفى عليه شيء من ذلك، وسيجازيكم على تلك الأعمال، بالثواب للمطيعين، والعقاب للعاصين.

و { ذَلِكَ } الذي بين لكم من عظمته وصفاته، ما بيَّن { بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } في ذاته وفي صفاته، ودينه حق، ورسله حق، ووعده حق، ووعيده حق، وعبادته هي الحق.

{ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ } في ذاته وصفاته، فلولا إيجاد اللّه له لما وجد، ولولا إمداده لَمَا بَقِيَ، فإذا كان باطلا، كانت عبادته أبطل وأبطل.

{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ } بذاته، فوق جميع مخلوقاته، الذي علت صفاته، أن يقاس بها صفات أحد من الخلق، وعلا على الخلق فقهرهم { الْكَبِيرُ } الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته، وله الكبرياء في قلوب أهل السماء والأرض.


{ 31 - 32 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }

أي: ألم تر من آثار قدرته ورحمته، وعنايته بعباده، أن سخر البحر، تجري فيه الفلك، بأمره القدري [ولطفه وإحسانه، { لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ } ففيها الانتفاع والاعتبار]

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } فهم المنتفعون بالآيات، صبار على الضراء، شكور على السراء، صبار على طاعة اللّه وعن معصيته، وعلى أقداره، شكور للّه، على نعمه الدينية والدنيوية.

وذكر تعالى حال الناس، عند ركوبهم البحر، وغشيان الأمواج كالظل فوقهم، أنهم يخلصون الدعاء [للّه] والعبادة: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ } انقسموا فريقين:

فرقة مقتصدة، أي: لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم.

وفرقة كافرة بنعمة اللّه، جاحدة لها، ولهذا قال: { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ } أي غدار، ومن غدره، أنه عاهد ربه، لئن أنجيتنا من البحر وشدته، لنكونن من الشاكرين، فغدر ولم يف بذلك، { كَفُور } بنعم اللّه. فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه؟


{ 33 } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }

يأمر تعالى الناس بتقواه، التي هي امتثال أوامره، وترك زواجره، ويستلفتهم لخشية يوم القيامة، اليوم الشديد، الذي فيه كل أحد لا يهمه إلا نفسه فـ { لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا } لا يزيد في حسناته ولا ينقص من سيئاته، قد تم على كل عبد عمله، وتحقق عليه جزاؤه.

فلفت النظر في هذا لهذا اليوم المهيل، مما يقوي العبد ويسهِّل عليه تقوى اللّه، وهذا من رحمة اللّه بالعباد، يأمرهم بتقواه التي فيها سعادتهم، ويعدهم عليها الثواب، ويحذرهم من العقاب، ويزعجهم إليه بالمواعظ والمخوفات، فلك الحمد يا رب العالمين.

{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } فلا تمتروا فيه، ولا تعملوا عمل غير المصدق، فلهذا قال: { فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } بزينتها وزخارفها وما فيها من الفتن والمحن.

{ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } الذي هو الشيطان، الذي ما زال يخدع الإنسان ولا يغفل عنه في جميع الأوقات، فإن للّه على عباده حقا، وقد وعدهم موعدا يجازيهم فيه بأعمالهم، وهل وفوا حقه أم قصروا فيه.

وهذا أمر يجب الاهتمام به، وأن يجعله العبد نصب عينيه، ورأس مال تجارته، التي يسعى إليها.

ومن أعظم العوائق عنه والقواطع دونه، الدنيا الفتانة، والشيطان الموسوس الْمُسَوِّل، فنهى تعالى عباده، أن تغرهم الدنيا، أو يغرهم باللّه الغرور { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }


{ 34 } { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

قد تقرر أن اللّه تعالى أحاط علمه بالغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، وقد يطلع اللّه عباده على كثير من الأمور الغيبية، وهذه [الأمور] الخمسة، من الأمور التي طوى علمها عن جميع المخلوقات، فلا يعلمها نبي مرسل، ولا ملك مقرب، فضلا عن غيرهما، فقال: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } أي: يعلم متى مرساها، كما قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً } الآية.

{ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } أي: هو المنفرد بإنزاله، وعلم وقت نزوله.

{ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } فهو الذي أنشأ ما فيها، وعلم ما هو، هل هو ذكر أم أنثى، ولهذا يسأل الملك الموكل بالأرحام ربه: هل هو ذكر أم أنثى؟ فيقضي اللّه ما يشاء.

{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } من كسب دينها ودنياها، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } بل اللّه تعالى، هو المختص بعلم ذلك جميعه.

ولما خصص هذه الأشياء، عمم علمه بجميع الأشياء فقال: { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } محيط بالظواهر والبواطن، والخفايا والخبايا، والسرائر، ومن حكمته التامة، أن أخفى علم هذه الخمسة عن العباد، لأن في ذلك من المصالح ما لا يخفى على من تدبر ذلك.

تم تفسير سورة لقمان بفضل اللّه وعونه، والحمد للّه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ana wac
عضو مميز
عضو مميز
ana wac


الإسم الحقيقي : achraf
البلد : Maroc

عدد المساهمات : 91
التنقيط : 47731
العمر : 25
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الجنس : ذكر

تفسير سورة لقمان كاملة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة لقمان كاملة   تفسير سورة لقمان كاملة I_icon_minitimeالأربعاء 15 فبراير 2012, 11:23

تفسير سورة لقمان كاملة 1793948660
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة لقمان كاملة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة لقمان كاملة (تجويد مجود) - الشيخ عبدالباسط عبدالصمد
» سورة البقرة كاملة الشيخ السديس والشريم
»  سورة البقرة كاملة 5 ساعات - محمد صديق المنشاوي - مجود
» تفسير سورة الفتح
»  تفسير سورة الفاتحة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منتديات المواد الدراسية :: التربية الإسلاميةEDUCATION ISLAMIQUE :: الأولى اعدادي-
انتقل الى: