حالة الطبيعة ومشكلة الأصل يرى روسو أن "حالة الطبيعة" حالة افتراضية، ولا يمكن لأي واحد أن يزعم أنه استطاع تحديدها بدقة. وإنما الشيء الأكيد هو أن دخول الإنسان إلى عالم الثقافة أفسد حالة الطبيعة. فالحياة الاجتماعية بنيت على الأنانية والتسلط والمكر والخديعة، هكذا نستطيع القول إن "حالة الطبيعة" كانت "حالة خير" مقارنة مع ما آلت إليه الإنسانية. إن الإنسان موجود حر وبمحض إرادته اختار أن يوجه حياته تلك الوجهة، لكن بوسعه أن يخرج من حالة الصراع من خلال إقامة الحياة الاجتماعية على أساس تعاقد اجتماعي يحتكم إلى "سلطة الشعب"، حيث يختار الشعب من ينوبون عنه ويحكمون باسمه طبقا لقوانين ديموقراطية.
أما هوبس T. Hobbes، فيرى رأيا مخالفا تماما لطرح روسو. حيث يعتقد هوبس، "أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان". فالإنسان أناني بطبعه، ومن ثمة فإن جميع سلوكاته تؤطرها دوافع عدوانية. فأخلاق الإنسان تخضع لتوجهات ثلاث : التنافس، الحذر، الكبرياء. وبما أنه يستحيل على الإنسان، أن يعيش باستمرار تحت رحمة "قانون الغاب" ؛ فإن الناس فضلوا أن يدخلوا عالم الحياة الاجتماعية (عالم الثقافة) بأن أعلنوا نوعا من السلم الاجتماعي فيما بينهم، وذلك بأن يتنازل كل واحد عن أنانيته، ليعيشوا تحت رحمة أنانية فرد واحد يحكمونه عليهم.
إلا أن التوجه العلمي، فيختلف عن الأطروحات السابقة في اعتباره أن التفكير في "حالة الطبيعة"، يدفعنا في متاهات فلسفية يصعب الخروج منها. ويرى أن فكرة "حالة الطبيعة" لا تعدو أن تكون مجرد طروحات فلسفية لعبت دورا تاريخيا، لأنها حاولت أن تفسر أوضاعا اجتماعية معينة.
هكذا يرى ليفي ستروس Lévi-Strauss أن الإنسان كائن بيوثقافي، ويصعب أن نحدد بسهولة الجانب الفطري من الجانب المكتسب ؛ إلا أن المنهج العلمي يحتم وضع قانون بموجبه نستطيع ذلك. هكذا يرى ليفي ستروس، أن كل ما هو عام ومشترك فهو طبيعي، وكل ما يقوم على قاعدة، ويتميز بالخصوصية، ويشكل استثناء، فإنه ينسب إلى الثقافة. علما بأن التحليل العلمي لظاهرة القرابة (أو المصاهرة) يؤكد أن الثقافي – في الإنسان – هو الذي يوجه البيولوجي ويؤطره.