جاك الحزين
عادل سالم - فلسطين / الولايات المتحدة*
أمريكي من أصل روسي، أزرق العينين، ضخم الجثة، رقبته من الخلف تميل إلى الاحمرار، يحب الموسيقى والفن، ويستطيع أن يبدع من الورق أشكالا فنية ومجسمات دون الحاجة إلى مقص أو لزيق.
كان قبل سجنه يصنع صناديق خشبية فنية للمجوهرات، كل صندوق يتكون من مائة قطعة دون استخدام المسامير، بعد الحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات بتهمة التهرب من الضرائب نقل إلى سجن فدرالي في ولاية كانزاس التي تبعد عن مكان إقامته في ميتشغان أكثر من ألف كيلو متر.
كان السجن بالنسبة إليه كإعصار دمر حياته، فلم يزره أحد طوال فترة سجنه ولم يستلم من زوجته سوى رسالة واحدة ردا على رسالته إليها وبعد شهرين من سجنه لم تعد تسمح له بالاتصال بها وغيرت رقم هاتفها.
تخلى عنه كل أصدقائه، لم يتعرف عليه أحد، فكان يقضي وقته في السجن حزينا، لم يترك وقت فراغه يغلبه فكان يقضي معظم وقته في غرفة الفن يبدع من الورق الملون أشكالا جميلة ويقدمها هدايا لمن عدهم أصدقاءه من السجناء ليرسلوها إلى أبنائهم. كانوا جميعا يتسابقون للحصول على بعض تلك الأشكال التي أسعدت الأطفال وطالبوا بالمزيد منها، إلا ابنه ابن ال 15 عاما الذي حرضته أمه على أبيه فلم يعد يرد على رسائله.
وعندما رأى جاك الإقبال المتزايد على ما تبدعه أنامله أصبح يطالب بأثمان بضاعته، مثل حبة بوظة علبه كولا، باكيت بطاطا، أي شيء فجاك لا يصله من الخارج أي سنت، لا أحد يسأل عنه، ويتقاضى في السجن 12 دولارا شهريا لكنه بحاجة إلى شراء بعض المواد التي لا توفرها إدارة السجن للسجناء مثل الصابون فرشاة الأسنان الشامبو، ...الخ
لقد عرف جاك كيف يدبر أموره ويكسب بعض المال حتى وهو داخل السجن
.
كان قبل سنة على علاقة مع أحد الأمريكيين العرب من أصل مغربي الذي دعاه مرة إلى بيته وقدم له الكسكس المغربي مع اللحم فأحبه، لذلك كان دائما كلما رأى سجينا من أصل عربي يسأله:
• متى ستدعوني إلى وليمة الكسكس.
سأله مرة باسم المسجون معه في غرفة واحدة:
• لماذا أنت حزين؟
تنهد جاك وقال له:
• عندما كنت أقدم الفلوس لزوجتي وأنا خارج السجن لم تكن تسألني من أين جاءت الفلوس، كانت تصرف بلا حساب. وبعد سجني تخلت عني العاهرة. أرسلت لها رسالة بعد وصولي هنا طمأنتها عن حالي، وقلت لها:
(أنا بخير وبصحة جيدة)
فهل تعرف ماذا ردت علي الخنزيرة؟
أرسلت لي رسالة قالت فيها:
(أوه جاك أنت تقول أنك في السجن سعيد ومبسوط أما أنا هنا فقلقة وتعبانة، أنام وحدي لا أحد بجانبي أضمه لصدري، أنا لا أستطيع العيش هكذا أنتظرك، سأبحث عن صاحب)
فقال له باسم على الفور:
• ولماذا لا تطلقها؟
• أطلقها؟ لماذا أدفع رسوم الطلاق للمحكمة وأنا سجين؟ عليها هي أن تقدم طلب الطلاق، ليدفع لها صديقها الجديد رسوم الطلاق.
• أهكذا تخلت عنك لدى أول هفوة؟
• إنها عاهرة خنزيرة. غيرت رقم هاتفها كي لا أتصل بها. لم أعد أشعر بالراحة هنا، بعد خروجي من السجن سأسافر إلى جنوب إفريقيا، أعرف صديقا هناك سيساعدني في أيجاد عمل.
بعد فترة من سجنه جاء إلى باسم وقال له:
• أريد منك خدمة.
• ماذا أستطيع أن أخدمك.
• أريد أن تكتب لي على ورقة هذه الكلمات بالعربية.
أمسك باسم الورقة والقلم وقال له:
• ماذا تريدني أن أكتب.
فقال له جاك:
• اكتب بالعربية ترجمه لما سأقول لك.
(أيتها العاهرة الشرموطة، أتمنى أن يركبك ألف جمل...)
قاطعه باسم:
• ولو ما هذا؟ هل تمزح؟
• لا أنا جاد.
• ولماذا كل هذا الكلام؟
• أريد أن أرسله إلى زوجتي.
• ألم تقل أنك ستطلقها؟
• نعم ولكن أريد أن أشفي غليلي.
• جاك دعْكَ منها وأرح أعصابك.
• اسمع إن كنت لا تريد سأذهب إلى حسن في الغرفة الثانية.
ابتسم باسم وقال له: سأكتبها ولكن لن تفهمها العاهرة زوجتك.
• أعرف لذلك سوف تعمل على البحث عن شاب عربي ليقرأها لها.
• وماذا بعد؟
• سيضحك عليها، وستشعر أمامه بالمهانة وستثور غضبا.
• ولماذا لا ترسل لها كلماتك بالانجليزية؟
• لأنها ستقرأها وحدها وتمزق الرسالة، وربما تذهب تشكو عني أنني أهددها. لكن الكلمات العربية ليست كلماتي.
فقال له باسم:
• حسنا سأكتبها لك.
لم يقتنع جاك بما كتبه باسم فأخذ الورقة وذهب إلى حسن الشاب اللبناني المسجون في الغرفة الأخرى وسأله أن يقرأ ما هو مكتوب بالورقة ويترجمه له، وعندما بدأ حسن يقرأه فوجئ بالعبارات النابية فسأله:
• ما هذا الكلام، من كتبه لك؟
فقال له:
• أريد أن أتأكد من ترجمته لأنني سأرسله إلى زوجتي.
• ترسل لها هذا الكلام؟
• نعم. لأنها عاهرة.
أخذ الورقة جاك ووضعها في رسالة ثم أرسلها إلى زوجته.
بعد أسبوع قررت إدارة السجن نقل 30 سجينا إلى سجن أكسفورد في وسكنس. وهو سجن صغير يشبه الفندق لا تحيطه الأسوار، ولا الأسلاك يقع في غابة صغيرة.
صعق جاك لقرار نقله فلا يريد الانتقال إلى سجن جديد، لقد تعود على السجانين، والسجن وكون له مجموعة من الأصدقاء، وأصبح له زبائن يشترون بضاعته.
صحيح إن السجين لا يهمه أين يقضي مدة حكمه. لكن التنقل يرهقه، تماما مثل الساكن خارج أسواره.
سيستغرق فتره ليتعرف على السجن الجديد، ويكون أصدقاء جددا. كاد يبكي عندما وضع أشياءه الصغيرة في الحقيبة القماشية التي قدمتها له إدارة السجن، واضطر أن يوزع بعض قطعه الفنية إلى بعض معارفه.
وعندما حانت ساعة السفر، نودي على السجناء المنقولين، فودعوا معارفهم وأصدقاءهم، اقترب جاك من باسم، سلم عليه وعانقه، قال له باسم:
• جاك، سأراك بعد خروجنا وسأدعوك لوليمة كسكس مع اللحم.
ضحك جاك وقال له:
• باسم، أنت غيرت في كل ما كنت أعرفه عن العرب.
تعانقا، وفجأة نادى السجان السجناء، وكان جاك أولهم.
• خرج إلى غرفة التفتيش ومن هناك إلى الباص متجهين إلى السجن الجديد، وبينهم يجلس جاك حزينا لأنه غادر سجنا أصبح يشعر بالحنين إليه، لأنه صار جزء من ذاكرته.