هبت رياحُ المعصيةِ فأطفأت شموعَ الخشيةِ من قلوبِنا وطال علينا
الأمدُ فعلى القلوبَ قسوةً، كما قست قلوبُ أهلِ الكتاب فهيَ كالحجارةِ أو
أشدُ قسوة.
أسأنا فهم الدينِ الذي هو سرُ تميُزَنا وبقاؤنا فشُغِلنا
بالشكلِ عن الجوهر، وبالقالبِ عن القلب، وبالمبنى عن المعنى، بذكرياتُ
مجيدةُ وتواريخَ تليدةُ نحتفلُ غالباً مبتدعين غير متبعين .
وأحيانا
نهتمُ بطبعِ الكتب الشرعيةِ مفتخرين، ثم نتمردُ على مضمونِها هازئين حالُنا
كالذي يقبلُ يدَ والدهِ ولا يسمعُ نصحه، إن هذا لهو البلاء المبين .
وإننا نخشى أن نصبحَ في زمرةِ من قال اللهُ فيهم :
(
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ
يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )
وأسوءُ ما تمرُ به أمةُ وأتعسُ ما تمرُ به أمة أن يصبحَ اللهوُ فيها دينا، والدينُ فيها لهواً ثم لا تسمعُ نصحا :
بُح المنادي والمسامعُ تشتكي صمماً وأصبحتَ الضمائرُ تشترى
تاهت سفـــــــــــــــــــائنُها بحراً ولاهيَ في الشــــــواطئ تظهرا
هذا
لعل النفوسَ تستيقظُ وتخشعُ وتذلُ فتبادر إلى الحسنى، فما هناك من أمر هو
أشد دفعا للنفوس إلى فعل الخير من أمر الآخرة، والوقوف بين يدي من له
الأولى والآخرة، فكل ضعف من أسبابه الغفلة عن الآخرة، في ذكر اليوم الآخر
سعادة وطمأنينة وسد منيع دون الهم والحزن وعدم السكينة، وعلى ما يحزن طالب
الآخرة ؟ على أمر حقير يفنى عما قريب ؟
كلا، ( وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى )
ذكر اليوم الآخر يطهر القلوب من الحسد والفرقة والاختلاف.
ذكر
اليوم الآخر يمسح على قلوب المستضعفين والمضطهدين والمظلومين مسحة يقين
تسكن معه قلوبهم، ثم تثبت شماء وهي تتطلع لما أعده الله للصابرين من نعيم
يُنسى معه كل ضر وبلاء وسوء وعناء.
وتتطلع لما أعده للظالمين من بؤس يُنسى معه كل هناء أسأل الله أن لا تكونوا من أهل الحسرة.