لمرأة والرجل:
هناك فروق بين الرجل والمرأة نتيجة اختلاف دور كل منهما في عملية التزاوج والإنجاب ورعاية وتربية الصغار, وهذه الفروق ناتجة عن اختلاف وضع كل منهما في عملية التزاوج والإنجاب وتربية الأطفال , وأيضاً ناتجة عن الظروف الحياتية والاجتماعية الموجودة . فتأمين مستلزمات تكوين واستمرار الأسرة وتنشئة الأطفال ورعايتهم تفرض على الرجل و المرأة تأثيرات وقوى مختلفة , تؤدي إلى اختلافات أساسية في خصائص كل منهما.
فعملية الحمل والإنجاب التي تقوم بها المرأة تجعلها مختلفة عن الرجل في عدة خصائص جسمية ونفسية , وكذلك تنمية ورعاية الأطفال الصغار , تقوم به المرأة بشكل أساسي . فهو فرض عليها أن تملك خصائص جسمية ونفسية وتصرفات مناسبة لذلك , فالأمومة الفزيولوجية والنفسية والعاطفية من أهم هذه الخصائص . وكذلك التدبير والاقتصاد والصبر والتصميم والاستمرارية وعدم الاندفاع والحرص وعدم المغامرة أو الاندفاع... وكل ما يلزم للإنجاب وتنمية ورعاية الأطفال.
فأنانية المرأة أقوى من أنانية الذكر , لأنها هي التي تحمل العبء الأساسي في التوالد وتربية الصغار واستمرار النوع ، وهي مدفوعة و موجهة للجمع والاستفادة من المواد والقدرات المتاحة ، من أجل الولادة وتربية الأطفال .
وهذا ما جعل تسلسل والأفضليات بالنسبة للمرأة تختلف بشكل أساسي وكبير , عن تسلسل والأفضليات عند الرجل , ومن هنا نشأ الاختلاف الكبير بين الرجل و المرأة . فتوظيف الموارد والقدرات المتاحة عند الرجل تختلف بشكل كبير , عن توظيفها عند المرأة .
والدافع الجسمي والنفسي والفكري للسعي للتزاوج عند المرأة يختلف عن دافع الرجل بشكل واضح وكبير , وكذلك الدور في عملية التزاوج يختلف بشكل كبير بين الرجل و المرأة . مع أن الهدف واحد وهو إتمام عملية التزاوج وتربية الصغار وبقاء واستمرار النوع .
إن هذه الفروق هي التي جعلت تفكير المرأة يختلف عن تفكير الرجل, لاختلاف الوظيفة, والأفضليات, والدوافع , وبالتالي المعاني عند كل منهم , فآليات التفكير واحدة والقدرات واحدة , ولكن التوظيف مختلف .
صحيح أن حجم الدماغ عند الرجل أكبر, وهذا يعني قدرة تفكير لديه أوسع , ولكن القوى المحركة , والخصائص الجسمية والفكرية الموظفة لدى المرأة تكون أكبر وأفضل , فالقدرات العقلية المتاحة لها كافية لكي تتفوق على الرجل , حتى في المجالات الفكرية . ولكن في الأزمات والظروف الصعبة التي تستلزم استنفار كافة القدرات الجسمية والعقلية , يظهر تفوق قدرات الرجل العقلية والجسمية , كما في الحروب وغيرها . لأنه في تلك الأوضاع يستنفر ويوظف كامل قدراته الجسمية والفكرية.
وقد نشأت فروق أخرى بين الرجل والمرأة , نتيجة الحياة الاجتماعية والعلاقات والتصرفات التي تنشأ نتيجتها , وهذه الفروق جسمية ونفسية وفكرية وثقافية . وهذه الفروق تورث اجتماعياً . وهي تختلف من مجتمع لآخر . وهي تخضع للتطور مثلما تخضع الفروق الفزيولوجية , ولكن تطور الموروثات الاجتماعية أسرع بكثير من تطور الموروثات الفزيولوجية .
والمهم تحديد الفروق الفزيولوجية أولاً , لأنها هي الأساس ويصعب تغييرها, ثم تحديد الفروق الناتجة عن الحياة الاجتماعية , وهذه يمكننا تعديلها وتطويرها , ضمن حدود قدراتنا والمعلومات التي نملكها , مثال على ذلك :
البنت ( أو الولد ) الصغيرة التي تؤخذ من مجتمع عربي مثلاً , وتربى في مجتمع غربي , سوف تختلف تصرفاتها وثقافتها عن البنت العربية . وتكون الفروق أكبر إذا ربتها أسرة غربية .
لقد ربط بعض المفكرين بين القدرة على التزاوج عندنا , والقدرات الجسمية والفكرية . ولكن هذا الربط معقد وليس بسيط فهناك تأثيرات إيجابية وأحياناً سلبية لتأثير عملية التزاوج على القدرات الفكرية .
فعملية التزاوج تستهلك قدرات جسمية ونفسية وعصبية كبيرة , وهذا له تأثير على كمية الإنتاج الفكري للفرد , ولكن في المقابل , السعي للتزاوج يحفز وينمي قدرات جسمية ونفسية وفكرية كبيرة , فالمكاسب الحسية الكبيرة المرافقة لعملية التزاوج هي من أهم القوى المحركة للفعاليات الجسمية والفكرية لدينا , فالسعي للمكانة العالية والسلطة وكذلك السعي للتملك المادي كثيراً ما يكون بهدف تحقيق اللذات الحسية المرافقة أو الناتجة عن عملية التزاوج , أو ناتج عن السعي للحيازة على الأنثى الأجمل والأفضل بالنسبة للذكر , أو الذكر الأفضل بالنسبة للأنثى .
إن عملية التزاوج عند الكائنات الحية إن كانت نباتاً أو حيواناً عملية معقدة , وتم تنظيمها وبرمجتها وراثياً بشكل أساسي . لكن بالنسبة لنا أخذت أبعاداً كبيرة وواسعة , إن كان من الناحية الفزيولوجية أو الجسمية أو النفسية أو الفكرية أو الاجتماعية أو الأخلاقية والدينية أوالاقتصادية , فعملية التزاوج لدينا تخضع لكل ذلك .
فهي ليست مرتبطة فقط بالأسس الفزيولوجية والجسمية الموروثة , أوبالبيئية كارتباطها ببعض فصول السنة أو توفر الغذاء أوغير ذلك , فبالنسبة لنا هناك تأثيرات كبيرة لتلك النواحي التي ذكرناها .
وهذا عقد كثيراً ظروف وطرق عملية التزاوج لدينا , وصارت عملية التزاوج تحتاج في بعض الأحيان لقدرات ومهارات وخصائص كثيرة متنوعة , إن كانت نفسية أو فكرية أو مادية .....الخ . أو العكس يمكن إتمامها ببساطة و سهولة , وذلك حسب الظروف والأوضاع المادية والاجتماعية.
لقد ارتبطت الأحاسيس والمشاعر اللذيذة والجميلة بعملية التزاوج والإنجاب لتسهيل ودعم عملية التزاوج , عند أغلب الكائنات الحية . ولكن بالنسبة للإنسان وبشكل خاص في الوقت الحاضر , نتيجة لتقدم المعارف والإمكانيات , تم الفصل بين عملية التزاوج وبين الإنجاب فصار بالإمكان التزاوج والحصول على الأحاسيس والمشاعر اللذيذة دون حدوث الإنجاب , وهذا جعل عملية التزاوج سلعة رائجة تسوق على مجالات واسعة .
2. ظاهرة عدم زواج الكثير من المفكرين العظام :
لماذا الكثير من عظماء المفكرين لم يتزوجوا ؟ فهناك أفلاطون وأرسطو ونيوتن وديكارت وليبنتز وشوبنهور و سبينوزا وهيغل وكثير غيرهم . هل الزواج يعيق التفكير والإبداع بما يتطلب من جهد عملي ونفسي وفكري لتأمينه وتأمين رعاية الأسرة مادياً ونفسياً واجتماعياً ؟
هل هم عرفوا أو فهموا الاختلاف الكبير في الأولويات بين الرجل والمرأة,وبالتالي استحالت التفاهم أو صعوبته ، أوعدم جدوى تحقيق التفاهم لاختلاف الأفضليات وبالتالي اختلاف المراجع و الأحكام ,