التعليم بالمغرب: بين ماض مشرق، وواقع مزرٍ، ومستقبل مبهم.

التعليم بالمغرب: بين ماض مشرق، وواقع مزرٍ، ومستقبل مبهم.

صار الحديث عن التعليم خلال السنوات الأخيرة، هو الأكثر تداولا في نقشات السياسيين، والنقابين والجمعوين، بل وحتى في نقاشات الأناس العادين، وذلك نظرا للأهمية التي يتمتع بها هذا القطاع الحيوي، بالإضافة الحالة المزرية التي أصبح يعيشها، وتصنيف المغرب في المراتب الأخيرة على المستوى العالمي في مجال التعليم.

وأمام هذا الاهتمام الكبير بالتعليم في المغرب أو بالأحرى أزمة التعليم، أصبح الجميع يطلق أحكاما مسبقة على جهات معينة ويحملها كامل المسؤولية عن الحالة المزرية، التي أصبح عليها هذا قطاع، وهكذا انتشر في أحاديث البعض، بأن الوزارة الوصية هي المسئولة الأولى عن هذه الأزمة، بينما يثار في نقاشات البعض الأخر، بأن المسئول عن ذلك هم رجال ونساء التعليم، وضعف كفاءتهم، في حين تحمل جهات أخرى أولياء وآباء التلاميذ هذه الأزمة.

لكنه بالرغم من أهمية هذه النقاشات، باعتبارها تثير موضوعا أصبح في حاجة إلى اهتمام متزايد ومتواصل، فإن هذه النقاشات تظل عقيمة مادامت لا تعتمد على أسس علمية، نظرا لغياب دراسات ميدانية مهتمة بقطاع التعليم في المغرب، وخصوصياته وأساس ضعفه وتدهوره، فصار الكل يخبط خبط عشواء في إعطاء الحلول. الأمر الذي يجعلنا أمام مجموعة من التساؤلات: لماذا هذا الفشل المستمر بالرغم من كل هذا الاهتمام؟ ومن هي الجهة المسئولة عن هذه الأزمة؟ وما هي الخطط والإستراتيجيات الكفيلة بإصلاح التعليم في المغرب؟ وما هي الحلول التي يمكننا من خلالها تجاوز هذه الأزمة؟

وبمجرد الوقوف عند هذه الأسئلة، فإنه يتبادر إلى الذهن بأنها أسئلة سبق طرحها في العديد من النقاشات وبصيغ مختلفة، لكن من دون جدوى، مادام حال التعليم لازال على ما هو عليه، غير أن ما يثير الانتباه هو أن هذه الأزمة تعود إلى سنوات عديدة مضت، وليست حديثة العهد، كما أنه تم القيام بالعديد من المحاولات الإصلاحية من أجل الخروج من هذه الأزمة، وذلك عن طريق وضع برامج تعليمية مختلفة، وتطبيق العديد من النماذج الأوروبية، وكذا صرف ميزانيات ضخمة، لكن بالرغم من كل تلك البرامج الإصلاحية التي تم القيام بها منذ الاستقلال إلى اليوم، فإن حالة التعليم ما تزداد إلى تدهورا، إلى درجة أصبح المغرب يحتل المراتب الأخيرة على المستوى العالمي.

وفي ظل هذا الواقع المزري والمخيب للآمال، أجمع معظم المغاربة على أن التعليم بالمغرب لا يمكنه أن يعرف أي إصلاح إلا بقدرة قادر، كما أصبح البعض مقتنعا بأن المغاربة متخلفين جينيا وأميين بالفطرة، وأن العقل المغربي غير قادر على استيعاب العلوم الحديثة. لكن هل هذا صحيح؟ بطبيعة الحال لا، لأن العقل حسب الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، هو ''أعدل قسمة بين الناس''، بحيث ليس هناك شخص أوتي من العقل أكثر مما أوتي الآخرون، وإنما الاختلاف يوجد فقط في طريقة استعماله.

وإلى جانب هذا الطرح الديكارتي، أثبتت التجربة كذلك في تاريخ المغرب المعاصر، أن الوطنيين المغاربة خلال مرحة الحماية استطاعوا أن يحققوا في ظرف وجيز، نهضة علمية وطنية عامة تشمل التعليم في أصوله وفروعه وفي شعبه الأدبية والعلمية والدينية والصناعية والزراعية، حيث حضي التعليم في خطاب الوطنيين المغاربة حيزا مهما سواء في كتباتهم أو خطبهم أو تقاريرهم، وخصصوا لها مجالا واسعا بين أهدافهم وبرامجهم فاهتموا بمحاربة الجهل، وعملوا على نشر العلم والمعرفة، بين سائر طبقات الشعب.

فأسسوا المدارس وسعوا إلى إصلاح التعليم، ووجهوا بعثات طلابية إلى الخارج لتكرع من مناهل المعرفة، ثم تعود إلى بلادها وهي مزودة بثقافة متينة تستطيع من خلالها أن تسيير بلادها طبق المناهج الذي تتوق إليه والتطور السليم الذي تنشده.

وهكذا اهتم الوطنيون بالتربية والتعليم والتوعية، وجعلوا إصلاحه والنهوض به من أوجب الواجبات، فانتشر بين النخبة المغربية المثقفة، أن التربية والتعليم هي الوسيلة الوحيدة للنضج القومي والاستقلال الحقيقي، لأن التعليم كما ذكر الحاج عبد السلام بنونة هو ''أساس كل إصلاح فعندما تنعدم المعرفة تنعدم معها جميع وسائل الإصلاح''. وانطلاقا من هذه القناعة، فإن الحركة الوطنية بالمغرب ستبني فكرة تعميم المعرفة والتعليم وتدافع عنها، لكونها كانت ترى أن المعرفة لا يجب أن تكون مقتصرة على طبقة دون أخرى، لأن هذا التفريق من شأنه يقف عائقا أمام التفاعل المطلوب بين مجموع العناصر التي تكون قوام الأمة.

وانطلاقا مما سبق يمكن القول بأن دعاة الحركة الإصلاحية بالمغرب على عهد الحماية لم يكتفوا بالمطالبة والمناداة بإدخال الإصلاح، وإنما اتكلوا على أنفسهم وعلى مجهودات المواطنين فأخذ يفتحون منذ العشرينيات مدارس حرة ويؤسسون نوادي ثقافية، حرصا منهم على تكوين جيل سيقوم بناؤه على الحفاظ على مقوماته الثقافية ونسيجه القومي.

وبفضل هذه المبادئ السامية التي نادى بها الوطنيون المغاربة من أجل إصلاح التعليم ، ودافعوا عنها ضد قوة الاستعمار حتى أخر رمق في حياتهم، عرف المغرب نهضة علمية كبرى خلال مرحلة الحماية، وظهور نخبة متنورة أمثال عبد الخالق الطريس ومحمد داود والتهامي الوزاني والطيب بنونة وعلال الفاسي ومحمد بن حسن الوزاني وأحمد بلافريج ...

لكن إذا كان بالأمس قد استطاع الوطنيون المغاربة أن يحققوا كل هذا الانجاز في ظرف وجيز، بالرغم من كل ما كانت تقوم به مؤسسة الحماية من محاولات لإفشال خططهم والقضاء على نجاحاتهم، فأين يتجلى الخلل اليوم؟ ولماذا لم نستطيع نحن اليوم تحقيق مثل هذه النهضة؟ بالرغم من كل الإمكانيات المتاحة.

إن هذه الأسئلة وأخرى تجعلنا أمام واقع مر، ذلك أن الفرق بين الأمس واليوم، يتجلى فقط في مدى الإحساس بالمسؤولية، فإذا كان أجدادنا بالأمس قد تنبهوا لمدى المسؤولية التي كانت على عاتقهم من أجل إصلاح التعليم وتقدمه، فإننا اليوم نكتفي فقط بتوجيه الاتهامات لبعضنا البعض، بدل الاعتراف بتقصيرنا جميعا في النهوض بقطاع التعليم.

وهكذا فعوض البحث عن الحلول السليمة لمشكلة التعليم بالمغرب، أصبح كل واحد منا يحمل مسئولية هذه الأزمة لأخر ، لكن الأمر ليس بهذه السهولة بل يجب على جميع المغاربة حكومة وشعبا أن يعترفوا بهذا الفشل، وأن يتحمل كل واحد منا جانبا من المسئولية، وليس جهة معينة. لأن مشكلة التعليم هي مسئولية جميع المغاربة، وفي نفس الوقت يجب أن تكون هناك إرادة جماعية من أجل النهوض بالتعليم وإصلاحه، وأن يبدأ كل وحد منا الإصلاح من نفسه وحسب مسئوليته لأن عدم الإحساس بالمسؤولية حسب محمد عبد الكريم الخطابي ''هو السبب في الفشل فكل واحد ينتظر أن يبدأ غيره''.

وعلى هذا الأساس فإن إصلاح التعليم بالمغرب لا يحتاج إلى برامج جديدة مستوحاة من الدول الغربية، بقدر ما هو في حاجة كبيرة إلى إبعاد قطاع التعليم من دوامة الصراعات السياسية والحزبية والإيديولوجية، وأن يتم وضع برامج تعليمية طويلة الأمد، تتعهد كل الأحزاب المغربية على دعمها وتأيدها، وجعلها الهدف الأسمى في برامجها، وليست ورقة تلعب بها في وجه بعضها البعض. وذلك من أجل تجاوز مسألة انتقاد كل حكومة لبرامج الحكومة السابقة، وتقدم برنامجا جديدا تصرف عليه ميزانيات ضخمة، ثم تأتي حكومة أخرى، تنتقده وتعلن عن فشله، ليظل حال التعليم يدور في نفس الحلقة، من دون أي نتيجة وبدون مستقبل.

التعليم بالمغرب: بين ماض مشرق، وواقع مزرٍ، ومستقبل مبهم. 3795580472

عاهد ازحيمي
التعليم بالمغرب: بين ماض مشرق، وواقع مزرٍ، ومستقبل مبهم. 1350064004brahim

* باحث في تاريخ المغرب المعاصر

التعليم بالمغرب: بين ماض مشرق، وواقع مزرٍ، ومستقبل مبهم. 509128

:poijhgfcx: :poijhgfcx:

:hftdgvbcxghrt: :hftdgvbcxghrt: :hftdgvbcxghrt: :hftdgvbcxghrt:
:fleurlivre: :fleurlivre: :fleurlivre:

:jgfjfdtsrtu: :jgfjfdtsrtu: :jgfjfdtsrtu:

:hftdgvbcxghrt: :hftdgvbcxghrt: :hftdgvbcxghrt: :hftdgvbcxghrt:

» صورة تحتاج إلى تعاليقكم ... هذا واقع التعليم بالمغرب
» التعليم بالمغرب بين الأمس و اليوم ... أدخل و احكم بنفسك
» إلى كل جاهل ينعت بسوء نساء و رجال التعليم بالمغرب
» التربية بين طموح الآباء وواقع الأبناء
» البادية بالمغرب